18 سبتمبر 2025

تسجيل

تحامي واحتمال أذى الناس..

24 يوليو 2013

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل يشير هذا البيت إلى خلق من أشرف وأكرم الأخلاق، لن يصير الرجل كريماً إلا بالتحلي به، ولن يصل إلى ذروة المجد إلا بسلوك طريقه، وليس المقصود بالضيم في البيت ظلم الغير، فإن النفس الأبية تأنف منه ولا ترضاه وتعده ذلاً، وقد عبر عن لسان حال العرب في هذا الشأن قول شاعرهم عمرو بن كلثوم في معلقته الشهيرة: إذا الملك سام الناس خسفاً أبينا أن يُقرَّ الخسف فينا وإنما يقصد به الصبر على المكاره، واحتمال الأذى، إذ لا بد من مكابدة مشاق الحياة ومتاعبها، قال تعالى:(لقد خلقنا الإنسان في كبد)، والصبر على أذى سفهائها وجهلائها، قال تعالى:(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وقال أيضاً:(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وهذا الأمر الأخير، يجدر بالمؤمن أن يتخلق به وأن يكون ديدنه؛ لأنه من لوازم الناس الكرام، أصحاب النفوس الكبار، والهمم العظام، ينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه عليه، إذا اختار مخالطة الناس، الشيء الذي لا مفر ولا مناص منه، إذ العزلة غير ممكنة ولا مجدية، لذا قال عليه الصلاة والسلام:(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم). واحتمال الأذى صفة متأتية وناتجة عن خلقين كريمين، الأول الحلم الذي قيل عنه أنه سيد الأخلاق، والخصلة التي يحبها الله ورسوله، لكونه يضفي على صاحبه، صفات وحالات يكون هو منشؤها، من سكون وتؤدة النفس، فلا تستجيب لدواعي الغضب، ومن اللين والرفق الذي لا يكون في أمر إلا زانه ولا ينزع من أمر إلا شانه، أما الخلق الثاني فهو الصبر، بمعنى حبس النفس عن مقابلة الشر بالشر، ورد الإساءة بالإساءة، وترك الانتقام والمؤاخذة، وعدم مشابهة السفيه، والخوض مع الجاهل، فإن احتمال السفيه خير من مشابهته، والإغضاء عن الجاهل خير من مناضلته. إن لنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام، صاحب الخلق العظيم، أسوة حسنة في هذا الشأن وفي كل شأن، وسنعرض لموقفين فقط من سيرته الشريفة العطرة، على سبيل التمثيل، وإلا فإن سيرته وسنته عليه الصلاة والسلام كلها من أولها إلى آخرها موسوعة أخلاق وآداب كبرى لا تسعها الأسفار، ولو كانت بقدر حِمل بعير،وهذين الموقفين بطبيعة الحال ليسا من صور أذى المشركين والكفار له، وتحمله إياه؛ لأن هذا يدخل في باب جهاد ومصابرة الأعداء، واحتمال ما في الدعوة من أعباء،موقفه عليه الصلاة والسلام من الأعرابي الذي جذبه جذبة شديدة حتى أثرت حاشية الرداء في عنق النبي، ثم قال بغلظة: يا محمد – بالاسم مجرداً- مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي متبسماً ضاحكاً وأمر له بعطاء. ورجل آخر قال للنبي وهو يقسم غنائم حنين: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، فما زاد رسول الله على أن قال له: ويلك من يعدل إن لم أعدل؟، ومما يشبه هذا ما أُخبر به النبي من قول القائل عن قسمة قسمها: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر). آخر القول: نظر ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك! ولَلمؤمن أعظم عند الله حرمة منك. اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، ولا تجعلنا فتنة للذين كفروا، اللهم آمين.