18 سبتمبر 2025

تسجيل

الحروب ورهن النفط

24 يوليو 2011

تكاليف الحروب ألف مليار "تريليون" دولار العقد الماضي بالإضافة إلى الموقع الجغرافي، فقد اكتسبت منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام أهميتها من كونها تحتوي على أكثر من %60 من احتياطي النفط في العالم، علما بأنها أكبر منتج لهذه المادة الخام الأولية والتي تشكل جوهر صناعة الطاقة في العالم. لذلك، فإن ما مرت به المنطقة من أحداث منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، بما في ذلك جزئيا الاحتجاجات الحالية في البلدان العربية لا تخلو من الصراع للاستحواذ على هذه المادة اللزجة التي لا تقدر بثمن والتي من خلالها يمكن التحكم في الكثير من أوراق اللعبة في العلاقات الدولية. وضمن عملية الصراع هذه وفي ذروة حمى الاستقلال الوطني في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تم إنهاء اتفاقيات الامتياز للشركات النفط الأجنبية في بلدان المنطقة والذي اعتبر في وقته بمثابة تأميم برزت على أثره وبقوة شركات النفط الوطنية، والتي أخذ بعضها مكانته إلى جانب كبريات شركات النفط في العالم. وفي هذا الجانب برز اتجاهان، الاتجاه الأول تمثل في التأميم الكامل لاستخراج النفط وهو الاتجاه الذي ساد في العراق وليبيا، أما الاتجاه الآخر، فهو التأميم الجزئي والذي اتبعته دول الخليج العربي والذي اعتبر في حينه أكثر عقلانية واتزانا واستفادة من الخبرات التي تتمتع بها شركات النفط العالمية. ومنذ ذلك الوقت احتدم الصراع لإعادة اقتسام النفوذ في صناعة النفط العالمية حتى وأن تم ذلك من خلال الحروب، إذ شهدت المنطقة في بداية الثمانينيات الحرب العراقية الإيرانية وما أعقبها من حرب الناقلات وغزو للكويت والذي أعقبه رهن للنفط العراقي من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء ومن ثم الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003 وتسخير جزء كبير من النفط العراقي لتسديد فواتير حرب الكويت وحرب 2003 حيث قدر الرئيس الأمريكي تكاليف الحروب العقد الماضي بألف مليار (ترليون) دولار في حين قدرتها دراسة نشرها موقع جامعة "براون" الأمريكية بأربعة آلاف مليار (أربعة ترليونات) دولار وهو ما يعني من الناحية العملية مقايضة جزءا مهما من النفط العراقي لدفع تكاليف الحرب لعدة عقود قادمة، حيث اشارت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية في نهاية شهر أبريل الماضي إلى وثيقة سرية تبين تورط حكومة "توني بلير" في الحرب على العراق طمعا في النفط العراقي، ووفقا للوثيقة، فإن الحكومة البريطانية رأت أن نفط العراق ضروري لها لتأمين مخزونها من الطاقة، وأن عقودا أبرمت مع شركات أجنبية في أعقاب غزو العراق تغطي نصف احتياطيات العراق والبالغ حجمها 90 مليار برميل من النفط. وبسبب الأحداث في ليبيا طالبت جهات غربية عديدة بضرورة إلزام ليبيا بدفع كامل تكاليف التدخل العسكري "للناتو" هناك، أي الرهن الجزئي النفط الليبي لسنوات طويلة قادمة، أما صحيفة "الفايننشال تايمز"، فقد أشارت في عددها الصادر نهاية الأسبوع الماضي إلى أن إعادة إعمار ليبيا ستكون مهمة ضخمة بعد استنزاف جميع المؤسسات المدنية في البلاد. ويبدو أن هناك توجهات لعمليات رهن أخرى في المستقبل، بما فيها النفط الإيراني، فالعالم وعلى عكس التوقعات السابقة يزداد اعتماده على النفط، فالاستهلاك العالمي سوف يرتفع في العام القادم 2012 إلى أكثر من 91 مليون برميل يوميا، مقابل 86 مليون برميل قبل ثلاث سنوات، كما أن الطلب في تزايد بمعدل 9 ملايين برميل يوميا كل سبع سنوات، كما تشير إلى ذلك وكالة الطاقة الدولية، أي أنه سوف يتجاوز المائة مليون برميل يوميا بحلول عام 2020. وضمن أمور عديد، فإنه من سيتحكم في قطاع استخراج النفط في المنطقة، سوف يدير شؤون الطاقة المحركة للاقتصاد العالمي، بما في ذلك تلبية احتياجات اقتصادات البلدان الصاعدة، كالصين والهند والتي تتعامل بندية مع القوى الكبرى في الوقت الحاضر. إن المهم في الأمر، هو أن عملية رهن النفط يعتبر أسوأ كثيرا إذا ما قورن باتفاقيات الامتياز التي تخلصت منها البلدان النامية المنتجة للنفط في بداية سبعينيات القرن الماضي، فإذا كانت اتفاقيات الامتياز تتيح للبلدان المنتجة الحصول على نسبة ثابتة من الريع النفطي، فإن الرهن الحالي لا يضمن الحصول، إلا على نسبة غير ثابتة تعتمد على الخصومات التي ستطال هذا الريع، وبالأخص تكاليف الحروب والتعويضات وإعادة الأعمار. في المقابل فليتطاحن العراقيون طائفيا قدر ما يستطيعون، المهم أن يستمر الذهب الأسود في التدفق من خلال الأنابيب حتى إشعار آخر.