11 سبتمبر 2025
تسجيلما الذي يشكل للشعوب مواقفها الأخلاقية؟ وما الذي يجعلها تتمايز في ما بينها أحيانا في تعريف تلك المواقف الأخلاقية وفي حجم تأثيرها عليها وعلى الأفراد فيها كل على حدة؟ وما سبب تحرك شعب دون آخر تجاه قضية تخص العالم كله على سبيل المثال؟ قد تبدو مناقشة مثل تلك الأسئلة نوعا من الترف الفكري أما البحث عن إجابات حاسمة لها فهو حتما نوع من الجنون الحقيقي! لكننا مع هذا نحاول دائما الوقوف في كل امتحان إنساني عام يتماس مع القضية الأخلاقية للشعوب على هذه الأسئلة مجددا على الأقل على سبيل تفسير ما يجري.. فمثلا، نحن، كعرب على الأقل، نعيش منذ السابع من أكتوبر الماضي في امتحان أخلاقي مستمر يجعلنا نتساءل عن معنى المواقف الأخلاقية للشعوب وكيفية تكوينها وأسباب تحولاتها في ضوء التحولات الأخرى المحيطة بها أو التي تتماس معها وتؤثر وتتأثر بها بشكل عام. ما الذي يجعل بعض الشعوب الغربية تقف مع أهل غزة في ما يتعرضون له من قتل وتدمير؟ لماذا تقتطع هذه الشعوب، أو على الأقل مجموعات كثيرة منها جزءا من أوقاتها واهتماماتها لتجيره لصالح القضية الفلسطينية، وغالبا على العكس من موقف حكوماتها السادرة في غيها تأييدا للعدوان الصهويني أو على الأقل صمتا عنه؟ هنا نستطيع الاتفاق على أن المواقف الأخلاقية للشعوب هي مجموعة المبادئ والقيم الأساسية التي تحكم سلوك هذا الشعب أو ذاك ضمن ثقافته العامة المتفق عليها سلفا، اتكاء على التراث الثقافي والديني وعلى العادات والتقاليد المجتمعية لهذا الشعب، بالإضافة إلى ما يملكه من تاريخ وتجارب إنسانية واجتماعية متنوعة غالبا ما تترك بصماتها على شكل الموقف الأخلاقي الراهن له. وبالتأكيد لن ننسى ما تلعبه الظروف البيئية والموارد الطبيعية والاقتصادية التي تميز شعبا عن آخر في شكيل موقفه الإنساني بطريقة غير مباشرة. كما أن حجم التفاعل مع الثقافات الأخرى المجاورة والبعيدة ونوع هذا التفاعل وأثره وامتداده وعمق لا بد أنه يدخل أيضا في قائمة المكونات الأساسية لقيم الشعب الأخلاقية. وربما لأن هذه القيم ليست وليدة مصدر واحد فهي عرضة دائما للتغير الذي يصل إلى حد الانقلاب أحيانا، وفق تغير تلك المصادر أو ظروفها مجتمعة أو كل منها حدة. ولأن الاستجابة للتحولات التي تحدث دائما مختلفة أيضا بين أفراد أو جماعات أي شعب وبين الشعوب وغيرها، لا توجد مواقف أخلاقية عالمية مطلقة أو متفق عليها من قبل الجميع، وهو ما يفسر مثلا تحركات بعض الشعوب تجاه قضية غزة مقارنة بصمت بعض الشعوب الأخرى وإن كانت شعوب ينظر إليها على أنها الأقرب وطنيا وقوميا وجغرافيا ودينيا واجتماعيا وثقافيا للشعب الفلسطيني. أي أن الموقف الأخلاقي هنا يتوارى، ولكنه لا يموت، بسبب الظروف الخاصة بهذه الشعوب، إما خوفا من السلطة الحاكمة أو انشغالا بما تراها الأهم لبقائها النسبي على قيد الحياة أو لأنها تتخذ أشكالا أخرى من المواقف التضامنية والتي قد لا تتناسب مع ظروفها الخاصة. فما تقوم به مجموعة أمريكية أو أوروبية من حراك عالي الصوت في سبيل القضية الفلسطينية تعبيرا عن موقفها الأخلاقي المغاير تماما لموقف حكومتها، لا يتاح بشكله وعلو صوته لمجموعة عربية أو إسلامية تقمع كل رأي آخر لا يتماشى وسياسة الدولة حتى وإن كان لا يتعارض مع موقفها! وعليه.. لا يمكننا محاكمة الشعوب محاكمة جمعية بسبب موقفها من القضايا التي نرى نحن كأفراد أنها قضايا أخلاقية. الفرد من يحاكم وليس الشعب، حتى وإن كان الشعب أساسا هو مجموعة من الأفراد وحسب!