13 سبتمبر 2025

تسجيل

عبدالرحمن الناصر والتغلب على المؤامرات

24 يونيو 2021

لما استلم أبوالمطرّف، عبد الرحمن الناصر مقاليد الحكم في إمارته التي كانت صغيرة وفقيرة في مدينة قرطبة، بدأ من فوره في العمل على تأسيس وتأصيل النزعة الإسلامية العربية فيها. فبدأ من داخل قرطبة بتعيين الكفاءات في المناصب المهمة وأحاط نفسه بالشرفاء المخلصين ورفع من قدر العلماء وركز على انتشال مملكته من الفقر والضعف، وقد نجح في ذلك نجاحا باهرا في المجالين السياسي والاقتصادي إلى أن اضطره الخونة اضطرارا مع الأسف الشديد ان ينجح ويهزمهم في المجال العسكري أيضاً، حتى لو لم يكن يرغب هو بذلك، وليت شعري هل من عاقل يريد ما أرادوا؟ لقد وجد هذا الأمير بعد استلام دفة الحكم نفسه في موقف صعب جداً حين وقعت إمارته تحت الحصار من كل الجهات. الأولى هي ثورة عمرو بن حفصون (الذي ارتد عن الإسلام فيما بعد وسمى نفسه صمويل) ووضع يده في يد أعداء الأمة وضيق على المسلمين في الأندلس إلى أن هلك لاحقا لا رحمه الله ولا غفر له. والثورة الثانية كانت في مدينة طليطلة التي تقع الشمال من قرطبة ولا يهمنا ذكر اسم حاكمها النكرة الذي تربى في أحضان الجواري والغانيات، ثم كانت هناك دولة أخرى تقع في سرقسطة بعيدا عن قرطبة، ولكن يبدو أن حاكمها كان مساهما في الأحداث طمعا في الغنائم فقط وإلا فهو بعيد عن عبدالرحمن الناصر جغرافيا، فأراد أن يغنم مع المعتدين إن غنموا. وإما ان خسروا فلن يهمه امرهم لبعده الجغرافي والديموغرافي عنهم. وآخرا وليس أخيرا كان هناك طرف آخر قوي لا يستهان به يقبع في جهة الغرب من قرطبة هو عبدالرحمن الجلّيقي وبالرغم من كونه مسلما شجاعا إلا انه مع الاسف الشديد شارك هؤلاء الخونة في حصار قرطبة ولكن من فضل الله عليه وعلى الأمة كلها ان انتهى الأمر بينه وبين البطل عبد الرحمن الناصر بالصلح والتأم شمل المسلمين. وتأمل معي موقف عبدالرحمن الناصر رحمه الله في تلك الظروف القاهرة لتعرف أن ترددي عن التطرق له سابقا لم يكن والله إلا إجلالا لهذا الطود الشامخ خشية ألا اوفيه بعض حقه، وحياء من الله ان اقصّر في ذكر فضائل هذا الرجل حتى ولو كانت سيرته وقعت قبل مئات السنين، وحفظها لنا التاريخ بحروف من نور ولو رغمت معاطس أعدائه. لقد كان من المتوقع من هذا الأمير المحاصر ان ينشغل طبعا بمن حاصروه ويحاول انقاذ نفسه والتخلص من تبعات ذلك الحصار الخانق ولن يلومه أحد لو فعل هذا لكن الأمر المذهل العجيب الذي يجبر المرء أن يقف فاغراً فاه من شدة العجب، والاعجاب، والتعجب هو بالرغم من كونه محاصرا، الا انه لم ينسَ إطلاقاً إخوانه المسلمين في الرقعة الضيقة الواقعة في الشمال الغربي من البلاد حين هاجمهم المحتل الغاشم ملك ليون أردونيو الثاني. فتجد هذا البطل يقاتل من أجل إخوانه بما استطاع حتى من عليه الله عز وجل وهزم اعداءه واحدا واحدا واسقطهم كلهم من ذاكرة التاريخ. ولا اخالك تستغرب يا سيدي الكريم زعم بعض الجهلاء من أعدائه ان الأمير لم يلتفت لنداء اخوانه المحاصرين إلا لأنه يريد ان يستميل عواطف المسلمين و"يدندن" على وتر المشاعر الاسلامية، ولا يدري الحمقى انهم بزعمهم السخيف هذا قد اعترفوا للتاريخ بسيادة الأمير الشهم عليهم، وإلا إذ لماذا ينتقدونه ولم يفعلوا نفس فعله؟ والجواب لأنهم يعرفون أن لا أحد سيصدقهم، إذ كيف تهتم بشأن المسلمين بينما أنت من يحاصرهم في نفس الوقت؟ فلذلك لجأوا إلى الدسائس والإشاعات ما جعل من ذكرهم مسخرة للعالمين وأذلهم وأذهب ريحهم. ورحم الله أبو الطيب حين قال: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه...... وصدّق ما يعتاده من توَهُمِ ‏[email protected]