17 سبتمبر 2025
تسجيليأتي رمضان سريعًا ويذهب سريعًا، كذلك مواسم الطاعات سريعًا ما تنقضي، تلك الأيام التي نزداد فيها قُربًا من الله تذهب سريعًا كمرور الريح، فرمضانُ سوقٌ قام ثم انفضَّ، رَبِح فيه مَن ربح، وخَسِر فيه مَن خسر، فمَن كان مُحسِنًا، فليحمدِ الله، وليسألِ الله القَبولَ، فإنَّ الله -جلَّ وعلا- لا يُضِيع أجْرَ مَن أحسن عملًا، ومَن كان مسيئًا فليتبْ إلى الله، فالعُذر قبل الموت مقبول، والله يحبُّ التوَّابين، نسأل الله أن يغفرَ لنا ولكم ما سَلَف من الزَّلل، وأن يُوفِّقنا وإيَّاكم للتوبة النَّصوح قبلَ حلول الأجل.فلا يصحُّ أن نخالف ما وعَدْنا اللهَ به، فقد أظهرنا عملًا وخشيةً وخوفًا من الله، فلا يجوز بعد تلك التوبة أن نكون كاللص الذي يُظهِر للناس خُلُقًا طيبًا وهو يسرقهم ليلا، فيعود تارك الصلاة إلى فعله القديم، ويعود آكل الربا إلى محاربته لله مرة أخرى، ويعود شارب الأدخنة إلى شربه، ويعود آكل مال اليتامى إلى استغلاله لليتامى مرة أخرى، فهذا كله من الأفعال الذميمة التي يقع فيها البعض أو الكثير ولكن باختلاف نوع تلك المعصية، فاللهم أبعدنا وإياكم عن مثل هذا الفعل.إن كنتم ممن استفاد من رمضان، وتحققت فيكم صفات المتقين، فصُمتم حقًّا، وأتعبتم أرجلكم بالوقوف بين يدي الله صادقين محتسبين، واجتهدتُم في طلب رضا الله وجاهدتم أنفسكم بترك المعصية؛ فاحمدوا الله واشكروه، واسألوه الثبات على ذلك حتى الممات. وإياكم ثم إياكم من فك الغَزْل ونقضِه بعدما غزلتموه وتعبتم في حجز مكان لكم بالجنة. إياكم والرجوع إلى المعاصي وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان. أبعد أن تنعموا بنعيم الطاعة ولذة المناجاة، ترجعون إلى جحيم المعاصي وسوادها؟!فكيف كان حال السلف بعد رمضان، كانوا كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون: 60 – 61]، أي إن السلف كانوا بعد رمضان ينشغلون بالله، فهل تَقبَّل الله منهم هذه الأعمال الصالحة، أم ستُرَدُّ عليهم يوم القيامة؟ ولهذا وجدناهم ينتهون من رمضان وهم ملتزمون بصلاتهم في المساجد وقيامهم لله -عز وجل- فكُن ممَّن يستقيمون في عبادة الله ولا يرجعون عنها مرة أخرى، فلتستمروا في نشر أعمال الخير والبر، وداوموا على جليل الطاعة، فهذه عادة المؤمنين المداومة على الطاعة وإن كانت قليلة، لا تنسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ». وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ. أي داوموا عليه، رواه مسلم. فالمؤمنُ لا يعرفُ العبادةَ في زمنٍ، ثم ينفكُّ عنها، أو ينشطُ لها في أوان، ثم يَهجرُها، إذ المرادُ من العبدِ ما قصدَه الله من عباده فيما خَلقَهم له أن يَعبدوه وحده لا شريكَ له، وأنْ تدومَ تلك العبادة لله.مقالات شهر رمضان المبارك لعام ١٤٣٨ هجرياللكاتب الأستاذ: علي بن راشد المحري المهنديجريدة الشرق القطريةالمقال (٣٠)فضل صيام ستٍّ من شوالإن صيام ستة أيام متتابعين أو متقطعين من شوال فيه فوائد عظيمة وأرباح كبيرة، ومنافع جَمَّة؛ منها: أن في صيام الستة أيام من شوال شكرًا لله تبارك وتعالى على التوفيق للتمام في أداء صيام شهر رمضان. وشُكْر النعمة يظهر بالمبادرة إلى الطاعة، وعلى هذا فإن مِن شكرك لله تبارك وتعالى على توفيقه إياك لأداء صيام رمضان، أن تبادر إلى أداء صيام ستة من شوال.ومن الفوائد أن صيامك للستة كالنافلة التي تجبر كسر الفرض وتعضده وتقويه، فيشتد البنيان، وتذهب الطاعة لله كما كنت تريدها كاملة بقدر استطاعتك.ومن الفوائد ما جاء في حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». رواه مسلم.فصيامك هذا يعدل صيام عام بتمامه، فشهر رمضان يعدل صيامُه صيامَ عشرة أشهر، والستة أيام تعدل صيام شهرين، فتكون أتممت عامًا كاملًا، فانتهِزْ تلك النفحات وبادر إليها، فإذا كانت بعض النساء لم يُتمِمن صيامَ الشهر، فعليهن أن يبادرن إلى صيام ما عليهن من قضاءٍ ثم يُلحقنه بعد ذلك بالستة أيام، وأدام الله حِرص نساء الإسلام على تلك الطاعات.ومن فوائد صيام شوال توفيق الله لك في طاعة أخرى وهي علامة على قبول طاعتك، فإن العبد كلما تقرب إلى الله، صار الله يتقرب منه ويوفِّقه إليه أكثر وأكثر.ومن فوائد صيامه أيضًا، أنه لم ينته من صوم رمضان إلا منذ وقت قصير، فتكون النفس مهيَّأة لصيام بعض الأيام بلا تعب أو عناءٍ، فما زال جسدك معتادًا على تلك العبادة.وبتلك العبادة تكون قد بدأت لا تفارق ذكر الله فقد ختمت شهر رمضان بصيام أيام تطوعًا وأنت تعلم ذلك وتقصده، فالعزم الصادق على طاعة الله ورسوله، واستمرارك في الخير بقية زمانك، وأن تمتلك قوة ونشاطا على أن تستقيم على طاعة ربك، وأن تستمر في الخير، من صلاة وصدقات واستغفار ودعاء، وقراءة قرآن وغير ذلك، ومجاهدة نفسك على هذا الخير مع الحذر من جميع ما نهى الله عنه، كل ذلك يثبت تمسكك بطاعة الله والمداومة عليها. ويجب عليك الحذر من صحبة الأشرار، فإن صحبة الأشرار شرها عظيم، فالمرء على دين خليله، فاحرص على صحبة من يعينك على الخير ويثبتك ويشجعك، أما من يُثبِّطك عن الخير والطاعة فاحذر صُحبته فلا خير فيه .