30 أكتوبر 2025
تسجيلإن حقيقة الأمة دعوتها للحق والفضيلة والعلم والتعلم ومبعوثها خير البشر علمنا صالح العمل، وأنه نور يستضاء به في ظلام الجاهلية ومحبة خالصة تؤلف بين القلوب، وأن الإسلام شمس مضيئة أنارت ظلام الجاهلية وهو دين الحب والأمل و الحياة واليسر و شرائعه هي شرائع الحق والعدل، وأحكامه هي أحكام الحياة، وللقيمة الرفيعة لخلق الحب والمحبة في الحياة، وأهميته في تحقيق السعادة للفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سعى لتحقيقه بوسائل متعددة، وربَّى أصحابه وأمته على هذه النفسية الراقية، وحث على إشاعته بين الناس ببناء كل العلاقات على أساس من الحب حبّ الله، وحب الخير وحب الصلاح والصالحين وحب الإنسانية، فالحق سبحانه جعل رمضان موسما للطاعة والقرب من الله تعالى ففرض علينا صيامه وسن لنا قيامه وأمرنا بالصيام والقرآن والإحسان ،فالإنسان هو الكائن الوحيد في هذا الوجود الذي نفخ الله فيه من روحه وقد كانت هذه النفخة الروحية الإلهية هي مناط التكريم الذي حظى به الإنسان ومن أجل ذلك طلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة ان يسجدوا لآدم تكريما له ليس لأنه خلق من طين ولكن لأن الله قد نفخ فيه من روحه ،وعلمه الله الأسماء كلها فكان هذا التكريم الذي جعله للإنسان سببا في استخلافه في الأرض ,وتعميره لها ببقاء النوع الإنساني. فشرائع الإسلام وأحكامه كلها دعوة للمحبة، فالزكاة مثلاً التي هي قرينة الصلاة وجوباً وأهمية، ومن هنا تتلاشى الأحقاد وتنبت المحبة والألفة وهكذا تكون الجماعة كالجسد الواحد، الغني يدفع من مال الله الذي عنده فيجد البركة والنماء، والفقير يتناول رزق ربه فيسدّ حاجته، والمجتمع ينقى ويطهر من الأمراض الخبيثة ،فمن عنده يكفل من ليس عنده وحبذا لو كان طالب علم لا يستطيع أن يقوم بسد احتياجاته فيجد في المجتمع المسلم من يكفله، ولهذا فإن حب الخير للناس مما يقوم عليه ويتقوى به إيمان المؤمن، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "،فهذه العلاقة بين المؤمن والمؤمن يحرص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم لأنها تهب الجماعة المسلمة قوتها وصلابتها فلا تهون ولا تتفتت ولا تعبث بها الفتن ،فإن كل مؤمن هو لبنة في بناء المجتمع، يدخل الإيمان بينه ثم إن من فيض الإيمان تنبعث الرحمة الهادية التي ترجو ما عند الله، فإن جميع الرسل والأنبياء جاءت دعوتهم متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت وهو الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل الواحد القهار على أسس طلب العلم والحرص على تعلمه وهنيئا لمن رحم طالب العلم، فدعوة الإسلام وضعت لذلك أسسا وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعادة البشرية ،فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمة يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل فما قيمة جسد ليس في قلب صاحبه إيمان وعقيدة,وما قيمة صورة لا يحمل صاحبها مبادئ ولا قيما,فإن استشعار المؤمن أن الجنة محفوفة بالمكاره يتطلب منه همة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلب على نفسه وملذاتها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تجره إلى الفتنة والمعصية، وهذه الهمة تكون في طلب العم والحرص عليه، وإنما تفاوت الناس بالهِمم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه , الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض يقيم فيها موازين العدل , ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين.