12 سبتمبر 2025
تسجيلإن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الصلاة والصيام مدرسة تربوية متكاملة اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى، وذلك لما للصلاة من مكانة في النفوس وشوق في القلوب ولهفة وولع يعتصر أفئدة المؤمنين، فتجد استعداد النفس المسلمة الراضية الممتثلة للتوجيهات الربانية، فمن فضائل العبودية لله تعالى الافتقار إلى الله تعالى بأن يجرد العبد قلبه من كل الفتن والأهواء ويقبل على العبادات متذللا مستسلما لربه متعلقا قلبه بمحبة الله تعالى وطاعته، فحياة المؤمن كلها صراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، فشهر رمضان المبارك شهر الصوم وشهر الدعاء، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران ويتقبل الله من عباده أعمالهم وتفتح أبواب السماء، فيجيب الله الدعاء ويعطي لكل سائل سؤله، لذلك أمرنا المولى عز وجل أن نتضرع إليه ونسأله فقال: "ادعوني أستجب"، وأخبر النبي صلى الله عليه بأنه إذا سأله عباده فإنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.فينبغي على كل مسلم أن يعلم أن الله عز وجل قد سلط على الناس من يوسوس لهم ويغويهم وذلك من أجل المجاهدة والفتنة والاختبار، لذا يجب عليه أن يتحصن بذكر الله ودعائه ويتعلق برحمة ربه، خاصة في هذه الأيام المباركة، لأن الله سلط الشيطان على الإنسان كما يسلط الذباب على العيون القذرة والأوبئة على من أهمل النظافة ولا يقع في الفريسة إلا من ليست له قدرة على المقاومة وينجو الأصحاء المحصنون بذكر الله، فالشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم، فلقد أمرنا الخالق القادر أن نلجأ إليه وحده دون سواه وأن ندعوه ليحمينا من شر الخلق ويقينا من أذى مخلوقاته ومن نفوسهم المظلمة، كما يقينا من شر الليل إذا أظلم وأطبق بعتمته فأضل السالكين ومن شر النفاثات في العقد وهم جماعات النمامين الذين يقطعون روابط الألفة وعلاقات المودة بسعيهم ومؤامراتهم ونمائمهم ومن شر الحاسدين الذين أكل الحسد قلوبهم فأعماهم عن الالتجاء إلى الله وتمنى مثل ما منحه الله للغير من نعيم وعز وأمن وخير، فالدعاء ترجمة تنقل أمل نفس العبد المؤمن ومشاعره إلى اليقين الصادق مما يجعله يتضرع إلى ربه بابتهالات صادرة من قلب خاشع إلى مقلب القلوب ترجمة صادقة ليست بألفاظ معينة ولا بكلمات خاصة ولا بصيغة محددة، فقد تكون همسات شفاه خافتة أو حديث نفس صامتة أو صلوات فؤاد أو رجوات قلب أو خفقات روح أو نبضات وقد تكون ابتهالات ملتهبة أو عبارات حارة أو عبرات وشؤونا تتساقط من عيني راغب عابد تحمل معاني الندم والتوبة والرجوع.قد يكون دفقات شعورية تنطلق حسب الدوافع الخاصة لكل داع وبما تيسر له من الألفاظ وبما أفاض الله عليه من إلهامات وما أفاء من نفحات، فالكل يدعو بما يترجم ترجمة صادقة عن داخله ورغائبه وعن رجواته ومتطلعاته، الكل يدعو بطريقته الخاصة وعلى الكيفية التي تتفق وحالته، فالقرآن والسنة مليئة بالآيات والأحاديث الدالة على فضله ورفيع قدره وعلو مكانته وكثرة عوائده، فهو سنة الأنبياء والمرسلين ودأب الأولياء والصالحين ووظيفة المؤمنين، إنه من أفضل العبادات يجلب لقلب الذاكر الفرح والسرور والراحةَ ويورث القلب السكون والطُّمأنينةَ، إنه مفتاح أبواب الرحمة يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ويكون حرزا لصاحبه فمن خلى من الذكر لازمه الشيطان ملازمة الظل هو نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله. من رحمة الله تعالى وفضله علينا أنه لم يجعل بيننا وبينه حاجزا ولا وسيطا ولا وكيلا، بل هو سميع قريب مجيب الدعاء، فهو الرحمن الرحيم الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير، يجازي السيئة بالسيئة أو يعفو والحسنة بعشر أمثالها.