31 أكتوبر 2025
تسجيلمسارات الوضع العراقي المتأزم والذي تجاوزت مساحاته حدود الانفلات والفوضى، وحجم الملفات المتداخلة في الصراع العراقي الطويل والممتد لعقود طويلة من إدارة الأزمة هناك، ومن ثم التورط والانغماس الأمريكي المباشر في مشاكل العراق، يجعل من الإدارة الأمريكية مسؤولة أخلاقيا وسياسيا مسؤولية مباشرة عن كل التداعيات التي حدثت وتحدث هناك أو حتى تلك التي في طريقها للتشكل والحدوث. وتصريحات قائد القوات الأمريكية الأسبق في العراق ورئيس وكالة المخابرات العراقية السابق أيضا الجنرال ديفيد بترايوس حول خطورة الميليشيات العاملة تحت إطار الحشد الشعبي الكفائي على مستقبل ووحدة العراق، نظرا لممارساتها وولاءاتها والأجندات التي تقف خلفها... هو من باب تحصيل الحاصل، لكون حقائق الساحة العراقية معروفة وشاخصة منذ أول يوم دمرت فيه القوات الأمريكية هيكلية الدولة العراقية وأطاحت وعصفت بمؤسساتها الأمنية والعسكرية، وفتحت الطريق لحالة الفوضى التدميرية بعد أن عاش العراق فراغا قياديا مرعبا لم تستطع ملئه سوى باللجوء للعبة العصبيات الطائفية والعشائرية وإدخال العراق في عملية محاصصة طائفية مريضة كانت النموذج الأمثل للفوضى المهلكة وليست الخلاقة. الجميع يعلم بأن المعارضة العراقية السابقة كانت مشتتة وضعيفة ومنقسمة على ذاتها وهي مجرد جزر متقطعة لا يربطها رابط ولا يجمعها جامع، وحتى جماعة الأحزاب الطائفية الدينية المرتبطة بالنظام الإيراني ونفذت الكثير من حلقات خططه وإرهابه وأجنداته في ثمانينيات القرن الماضي أضحت منبوذة في نهاية المطاف وعالة وحمولة ثقيلة على الإيرانيين ذاتهم، ولولا عمليات الحشد الأمريكي لاحتلال العراق لانتهت تلكم الأحزاب والجماعات وانقرضت بالكامل لكونها خارج منطق العقل والتاريخ بأيديولوجيتها الرثة وقيادتها الأكثر رثاثة، واليوم حينما يتحدث الأمريكان عن خطر تلكم الجماعات على أمن ووحدة العراق فإنهم يتجاهلون أنهم من نفخ في روح تلكم الأحزاب ومن غض النظر عن تدفقها على العراق، بل من حماها وهي تدخل المنطقة الخضراء لتؤسس سلطة الطائفة والعشيرة ولتسرب عناصرها الإرهابية لقيادة العراق، فالأمريكان يعلمون بأن قيادة حزب الدعوة العليا ممثلة بنوري المالكي مثلا كانت متورطة في إدارة الإرهاب الإيراني في الشرق الأوسط أوائل عقد الثمانينيات. كما أنها متورطة في عمليات الإرهاب التي ضربت لبنان والكويت أعوام 1981 و1983 وما تلاهما. ولعل الوجود الحالي للإرهابي الدولي المطلوب أمريكيا وكويتيا على قمة قيادة الحشد الشعبي وهو المدعو أبو مهدي المهندس الدليل الصارخ على ما نقول. فعلى من يعزف بترايوس مزاميره المعروفة لنا جميعا؟تصريحات الجنرال الأمريكي الشهير بعلاقاته مع العشائر العراقية عبر عمليات الرشوة الواسعة وتقديم الأموال الطائلة لزعاماتها لن تضيف جديدا أو تعيد اكتشاف ما كان مجهولا، بل إنها حقائق يومية يعانيها أبناء المدن العراقية المنكوبة بتلكم الجماعات الزاحفة التي خربت كل شيء والتي تعد نفسها لتكون البديل الموضوعي للمؤسسة العسكرية العراقية ولتؤسس وطبقا لأوامر إيرانية عليا مؤسسة (الحرس الثوري العراقي) أو (تعبئة المستضعفين) على النمط الإيراني لاستكمال حلقات تأسيس الفرع العراقي للجمهورية الإسلامية الطائفية الإيرانية وهو مشروع إيراني طموح وقديم كان سببا مباشرا لاندلاع الحرب مع العراق عام 1980 والتي انتهت بتجرع كأس السم الزعاف عام 1988 وإيقاف ذلك المشروع وفي الواقع تأجيله لحين ميسرة.وهو ما تحقق فعلا بعد احتلال العراق عام 2003 وقد قطع اليوم خطوات واسعة جدا باتجاه التنفيذ بعد أن تغيرت المعطيات على الأرض بسبب ضرب القوى الوطنية العراقية الأخرى وانفراد أهل الولاء الإيراني بالسلطة والثروة وأدوات النظام وتلكؤ الولايات المتحدة عن دعم قوى التغيير الإيجابي الحقيقية وسلبيتها المفرطة في متابعة واعتقال ومحاسبة المتورطين في تنفيذ أجندات النظام الإيراني من الإرهابيين السابقين الذين تحول بعضهم اليوم ليكون مركز قوى مهما في العراق الراهن من أمثال الإرهابي بو مهدي المهندس أو هادي العامري وجماعته المهيمنين على ملفات إدارة الصراع الداخلي في العراق... مسؤولية الإدارة الأمريكية كارثية في ضياع العراق.. فلمن يوجه الجنرال بترايوس تصريحاته؟.