28 أكتوبر 2025

تسجيل

انهيار الدولة في مصر

24 يونيو 2014

الأحكام التي أصدرتها محكمة الجنايات المصرية بحق صحفيي قناة الجزيرة الإنجليزية وزملائهم الآخرين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة تنهار في مصر، وأن الانقلاب يسير بالبلاد إلى الهاوية ووضعها في مصاف "الدول الفاشلة".منذ وقوع الانقلاب الدامي في الثالث من يوليو الماضي، ومصر تنتقل من أزمة إلى أزمة ومن مأساة إلى مأساة، ومن نفق مظلم إلى نفق أشد ظلاما، من القتل والاعتقال والتعذيب وكبت الحريات والاعتداء على الأبرياء، وانتهاك حقوق الناس، إلا أن أخطر ما أقدمت عليه هذه السلطة الانقلابية بعد عمليات القتل الواسعة التي قامت بها والتي قتل فيها أكثر من 5000 مصري وحرق جثث بعضهم واعتقال ما يزيد على 42 ألف شخص وممارسة شتى أعمال التعذيب في السجون والمعتقلات التي تحولت إلى معسكرات اعتقال حقيقية.. أخطر ما أقدمت عليه، هو مصادرة الحريات وكبتها وإغلاق وسائل الإعلام الحرة وإقفال القنوات التلفزيونية والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية. وإصدار أكثر من 1300 حكم بالإعدام خلال جلسات "قراقوشية" شملت الحكم بإعدام 683 و529 و183 شخصا في 3 جلسات لم يستغرق بعضها أكثر من 20 دقيقة، وغيرها من الجلسات التي حكم فيها أيضاً بالإعدام على أفراد أو جماعات إلى جانب "المؤبدات"، وكان هذا "القضاء المصري الشامخ" أصيب بالإسهال في إصدار الأحكام التي تتراوح بين الإعدام والمؤبد مدى الحياة.في هذا السياق يأتي الحكم على صحفيي الجزيرة بالسجن المشدد 7 سنوات لكل من الأسترالي بيتر غريست والمصري-الكندي محمد فاضل فهمي، مدير مكتب الجزيرة في القاهرة، قبل حظرها وبحبس المنتج المصري في القناة باهر محمد لمدة 10 سنوات، وهم محبوسون منذ نهاية ديسمبر الماضي.حفلة أحكام "القضاء الشامخ" شملت أيضاً سجن 3 صحفيين أجانب كانوا يحاكمون غيابيا عشر سنوات وهم بريطانيان وهولندية، والسجن 7 سنوات لأربعة طلاب متهمين محبوسين، والسجن 10 سنوات على 8 آخرين تمت محاكمتهم غيابيا.هذه الأحكام تؤكد انهيار المنظومة القضائية في مصر، وأن هذه المنظومة ليست أكثر من "آلة للقمع والإقصاء والبطش" بيد الانقلابيين العسكريين بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي، وأنها تحولت إلى جزء من الثورة المضادة ضد الشعب المصري وحرياته وكرامته.الأحكام التي صدرت ضد الصحفيين ومنهم صحفيو الجزيرة وجهت "ضربة مزدوجة" للحريات والإعلام، فهي ليست مضادة للحريات الشخصية والجماعية وحق المجتمع أن يعرف، لكنها أيضاً معادية للصحافة والإعلام وحرية التعبير، وهي تعمل على تعتيم الصورة بهدف التدليس على المجتمع، فمن غير المعقول ولا المقبول ولا المنطقي اتهام صحفيين بتكوين "خلية إرهابية" والانتماء إلى تنظيم إرهابي "جماعة الإخوان المسلمين" مع أن أحدهم اسمه "بيتر" يعني غير مسلم أصلا. أفضل وصف لما يجري في مصر جاء من قبل منظمة العفو الدولية بأنه "هجمة شرسة على حرية الإعلام في ظل محاكمات صورية بالكامل، ومشاهد هزلية وصور زائفة للعدالة" واعتبرت الصحفيين الثلاثة سجناء ضمير، وأن حبسهم وإدانتهم ووصفهم بالمجرمين "يوم أسود لحرية الإعلام في مصر"، فالسبب الوحيد لسجن هؤلاء الرجال الثلاثة هو أن السلطات الانقلابية لا يعجبها ما يجب عليهم أن يقولوه، وهم سجناء رأي ويجب الإفراج عنهم فورا ومن دون شروط. النظام الانقلابي في مصر عدو للحرية والإعلام والصحافة، ولا يجوز الصمت على هذا النظام الدموي الغاشم، فهو استولى على بلد بأكمله، وحطم قيمه وتاريخه ويحطم مستقبلة أيضا، فهو يقسم الشعب ويهدم كل ما بناه المصريون على مر العصور، ويحول مصر إلى دولة تقوم على الاستبداد والظلم والاعتقال والتعذيب والقتل ومصادرة الحريات.. باختصار هذا الانقلاب وهؤلاء الانقلابيون يحولون دولة عمرها 7000 سنة إلى دولة فاشلة تحكمها عصابة بلا أخلاق أو ضمير أو قيم.