11 سبتمبر 2025
تسجيليبعث المشهد المصري الراهن على الخوف على مصير ثورة الخامس والعشرين من يناير بل وعلى مصير الوطن إن لم ينتبه العقلاء فيه ويتحركوا لإجهاض محاولات الولوج به إلى أتون حرب لا هوادة فيها ومبررات الخوف تتمثل في المؤشرات التالية: أولا: ثمة استعداء بات واضحا بين طرفي المعادلة السياسية في المحروسة: الإسلاميون والقوى المدنية ويمكن أن يبلغ مرحلة العنف والعنف المضاد خلال الأيام القليلة القادمة وتحديدا مع انطلاق مظاهرات الثلاثين من يونيو التي يعتقد منظموها أنها ستكون الحاسمة لإنهاء نظام حكم الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان بعد عجز عن التعاطي بفعالية مع معضلات المواطن المصري وسعي حثيث للإسراع من مشروع تمكين الجماعة من مفاصل الدولة المصرية والذي كان آخر تجلياته حركة المحافظين الأخيرة وفي ردة فعل استباقية شاركت القوى الإسلامية في مليونية "لا للعنف" يوم الجمعة الفائت بعدة آلاف انتشروا من مختلف أقاليم مصر في ميدان رابعة العدوية والتي ستتواصل في مليونية أخرى يوم الجمعة القادمة -أي قبل مظاهرات الثلاثين من يونيو بيومين - وهو ما يعني أن هناك متوالية من المليونيات والمليونيات المضادة مما يكرس حالة التشظي والانقسام التي لم تشهدها المحروسة على مدى تاريخها الحديث وربما القديم على هذا النحو من الاستقطاب الحاد. ثانيا: ما رصدته خلال متابعتي لمليونية يوم الجمعة الماضية هو أنها أظهرت نزوعا لدى بعض الرموز الإسلامية للرد بعنف على مظاهرات الثلاثين من يونيو رغم أن شعار المليونية هو "لا للعنف" وقد لفت انتباهي اللغة التي استخدمها واحد من الدعاة المشهورين في مصر وهو الدكتور صفوت حجازي الذي لجأ إلى عبارة دارجة في الموروث الشعبي مؤداها "من يرش مرسي بالماء سنرد عليه بالدم "مما ينطوي على تهديد واضح استباقي ضد المشاركين في مظاهرات الثلاثين من يونيو الذين أكدوا التزامهم بالطابع السلمي والذي مثل ومازال يمثل ميزة نسبية لثورة الخامس والعشرين من يناير الأمر الذي دفع أحد كبار منظمي المليونية إلى التأكيد على أن ما ذكره الدكتور حجازي يمثل رؤيته الشخصية ولا يعكس رؤية المنظمين ولكن مثل هذه الأقوال المسترسلة تبعث برسائل شديدة السلبية عن نوايا الجانب المؤيد للنظام الحالي مستخدما هذه المرة العباءة الإسلامية. ثالثا: أضحت صفحات التواصل الاجتماعي الفيس بوك والتويتر زاخرة بالتهديدات الواضحة من قبيل الإعلان عن أفواج المجاهدين القادمين من أفغانستان وغيرها فضلا عن ميليشيات تابعة للجماعات والقوى الإسلامية والتي كانت تصنف من قبل ضمن جماعات الإرهاب من فرط لجوئها للعنف ضد المصريين خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت وبعد أن طويت صفحاتها برزت للوجود بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد خروج قياداتها ورموزها من السجون وهو ما يمكن اعتباره استعراضا استباقيا للقوة في مواجهة القوى المدنية التي تؤكد تمسكها بالخيارات السلمية في المطالبة بالتغيير والمتمثلة في أشكال التظاهر والاعتصام المختلفة بالميادين الرئيسية والمناطق الإستراتيجية من وجهة نظرها مثل ميدان التحرير والمنطقة المحيطة بقصر الرئاسة في مصر الجديدة والمعروف بالاتحادية وفي المقابل ترد المجموعات المنظمة كالألتراس وغيرها وبعضها للأسف مسلح معلنة قدرتها على التعامل بالقوة في مواجهة عنف الإسلاميين. رابعا: أخشى ما أخشاه أن يظهر الطرف الثالث الذي كان حاضرا بقوة في كل الأحداث ووقائع الدم في المحروسة التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير ولم يمسك أي طرف بأي خيط حتى الآن يقود إلى الإمساك بأي دليل عن هذا الطرف وهو ما يعني أن ثمة دوائر بوسعها أن ترسل مجموعات قادرة على القيام بأعمال عنف من شأنها تأجيج المواجهات بين المؤيدين والمناهضين للرئاسة ولجماعة الإخوان المسلمون وبالتالي تتفجر الأوضاع وقد تتحول إلى حرب حقيقية مما سيدفع إلى تدخل المؤسسة العسكرية بثقلها القادر على حسم الأمور وهو ما يعني دخول المحروسة في متاهات لا يعلم سوى الله مداها. خامسا: ثمة احتقان واضح لدى الفئات الشعبية والمهمشين الذين شعروا أن الثورة سرقت منهم وأهدافها تآكلت لصالح فصيل بعينه دون أن ينتبه إلى وجودهم أو يتمكن من البحث عن حلول جوهرية وحقيقية لمكابدات الناس اليومية وقد يدفع هذا الاحتقان الذي تتصاعد حدته كلما انقطع التيار الكهربائي عن منزل أو منطقة أو ارتفعت فيه الأسعار إلى حدود لا تمكن هؤلاء من ملاحقتها من فرط هشاشة ما يحصلون من دخل وغير ذلك من تجليات الألم والمكابدة، أقول قد يدفع الملايين إلى الخروج في الثلاثين من يونيو باندفاع غير محسوب لصب الغضب على مؤسسة الرئاسة ورموز النظام الإخواني وقد يصل الأمر إلى ما يطلق عليه ثورة جياع وهو أمر بالغ الخطورة لأن ما أرصده من قسمات غضب لا يمتد إلى النخبة الحاكمة فحسب وإنما يطال مختلف النخب السياسية والتي لا تجيد سوى الكلام فحسب دون أن تقوم جميعها بمقاربة لاحتواء عذابات وأوجاع الشعب التي تفاقمت في ظل الحكم الراهن الذي ما فتئ يلجأ إلى إعادة أساليب نظام مبارك من قبيل فرض الضرائب ورفع الأسعار والاقتراض من الخارج لمواجهة عجز الموازنة العامة ولم يسع جادا إلى تطبيق جملة من السياسات الرامية إلى تعظيم القطاعات الإنتاجية القادرة وحدها على الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي والاجتماعي. سادسا: قد توفر حالة الانفلات الأمني التي تكابدها المحروسة على مدى العامين المنصرمين بيئة مواتية لعناصر إجرامية لاستغلال الأحداث واختراق المظاهرات والقيام بأعمال عنف قد تدفع هذا الطرف أو ذاك إلى الاشتباك دون أن يتيقن من حقائق الأمور مما يجعل العقد ينفرط خاصة مع محدودية قدرات قوات الأمن التابع لوزارة الداخلية على حسم مثل هذه الأمور وهو ما قلل الثقة في هؤلاء النفر رغم جهود يبذلونها لمقاومة سطوة الانفلات والذي قد تكون هناك دوائر معينة تحقق منه أرباحا هائلة وإلا لما استمر على هذه النحو المخزي. ومع ذلك أقول مطمئنا إن الله وحده قادر على حماية المحروسة فكم حماها على مدى قرون!.