17 سبتمبر 2025

تسجيل

الهجرة السرية تثير نظرية صدام الحضارات

24 مايو 2021

ما يجري هذه الأيام من أحداث بين إسبانيا والمملكة المغربية على حدود مدينتي سبتة وملليلة يؤشر إلى عمق أزمة الهجرات السرية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهي شبيهة بالصدامات على نفس الوتيرة، ولنفس الأسباب بين تونس وإيطاليا، وبين ليبيا وإيطاليا، كما بين اليونان وتركيا. القضية أبعد من مجرد محاولات شباب عربي وآسيوي وأفريقي يائس من العيش في بلدانه الأصلية يريد الالتحاق بالجنة الأوروبية الموعودة لأنها تخفي في ثناياها إحياء أشباح العلاقات المأزومة بين الشمال والجنوب في مرحلة الاستعمار ثم مع المطبات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة التي أضافت لها محنة الكورونا طعم المأساة. والذي نسجله بكل أسف أن الهجرات السرية أو (غير الشرعية) جاءت نتيجة سياسات تنموية وخيارات تربوية واجتماعية مغلوطة ومنقوصة من جانب دول الجنوب ونتيجة إهمال مستمر للجيلين الثاني والثالث من المهاجرين إلى أوروبا الذين اندمجوا في الحضارة الغربية وحصل أغلبهم على جنسية الدولة التي هاجر إليها أبوه أو جده منذ عقود، حيث تدور الحياة السياسية اليوم لدى هذه المجتمعات على خلفية عنصرية لا تكاد تخفى في مجتمعات غربية تقليدية تصاعد فيها اليمين المتطرف إلى مفاصل السلطة وأصبح يجاهر بعدائه للمقيمين الأجانب على أرضه، وشهد العالم من خلال الممارسات اللاإنسانية القاسية التي جوبه بها الشباب المغربي الذي عبر البحر إلى مدينة سبتة إلا أن وجود مستعمرتين إسبانيتين في عقر دار المغرب هو ملف منسي في حد ذاته، فمدينتا سبتة وملليلة هما مغربيتان تاريخا وجغرافيا ولغة ودينا وتقاليد، وهما يشكلان اخر استعمار أوروبي على أرض عربية مسلمة! ولا يعتقد أحد أن الاتحاد الأوروبي وحدة صماء متماسكة بل إن ملف الهجرة السرية المتواصلة قسمت مواقف الدول الأوروبية، فتباينت قرارات الدول إزاء الهجرات المتعاقبة من موقف ميركل الألمانية المتفهم للظاهرة والمتعامل مع موجات القادمين بإنسانية إلى غطرسة السياسة الإسبانية التي أدانها حتى البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع بسبب إقدام شرطة الحدود الإسبانية على إلقاء الشباب المغربي في البحر أو تصفيدهم بالسلاسل حتى موعد ترحيلهم مرورا بمواقف فرنسية مذبذبة تتأرجح بين إرضاء الناخب اليميني العنصري والخشية من إدانة المنظمات الإنسانية والخيرية، ولو عرفنا أن الاتجاهات اليمينية المتعصبة في كل من النمسا وهولندا فازت بالأغلبية في كلا البلدين فإن استشعار التصادم الحضاري قادم بين جنوب البحر وشماله في مستقبل منظور. وهنا لا بد أن نتوقف عند نظرية "الصدام الحضاري" التي أصبح غلاة اليمين القومي المتطرف في فرنسا يرفعونها شعارا لحملاتهم الانتخابية القادمة، فمثلا نجد إحدى أيقونات هذا اليمين الفرنسي الكاتب (إيريك زامور) يكرر شعار (صدام الحضارات) بين ما يسميه هو بالحضارة اليهودية المسيحية وبين حضارة الإسلام، ويقول إن المفكر الأمريكي (من أصل يهودي) صامويل هنتنجتن كان على حق حين أثار موجة فكرية في العالم بنظريته الشهيرة (صدام الحضارات) ويقول (زامور) إن فرنسا وأوروبا بصدد مواجهة حرب حضارات حين نلاحظ تطرف بعض الجهاديين الاسلامويين وجرائمهم الإرهابية في فرنسا واخرها قتل الشرطية في مدينة (رامبولييه). وبالطبع نسجل باعتزاز مواقف مضادة لهذه الأطروحات العنصرية لدى أكبر فلاسفة فرنسا وهو (ميشال همفراي) صاحب الخمسين كتابا في فلسفة الحضارات أو لدى أكبر السياسيين أمثال (جون لوك ميلنشون) زعيم حزب (فرنسا المتمردة) والمولود في المغرب أو(دومينيك دوفيلبان) رئيس الحكومة الأسبق في عهد الرئيس شيراك الذي عاد بقوة للحوارات المتلفزة ليطرح نظرية (تحالف الحضارات) في حديثه الأخير على القناة الفرنسية الثانية كبديل عن رفض المهاجرين وقمعهم وندد في نفس المناسبة الإعلامية بما سماه اضطهاد إسرائيل للشعب الفلسطيني في العدوان الأخير على غزة والقدس، وأدان مشاركة النخب الأوروبية في هذه المظلمة التاريخية بتأييد الغاصب المحتل كما قال. إننا كعالم عربي إسلامي جنوبي يجب أن ننخرط في مشروع (تحالف الحضارات) هذا المفهوم الجديد للسلام والأمن الدوليين ولا ننسى أن دولة قطر كانت أول من رفع هذا الشعار، ونظمت حوله مؤتمرا عالميا سمي أنذاك (مؤتمر تحالف الحضارات) في أواخر التسعينيات، وكان لي شرف المشاركة فيه إلى جانب عديد المفكرين ورجال السياسة في العالم. [email protected]