13 سبتمبر 2025
تسجيلليس من قبيل الصدفة أن يغرق العالم العربي في حالة من التشرذم والتفتت والاقتتال، فهذا الواقع يأتي نتيجة لمؤامرة كبرى رسمت تفاصيلها في لندن وباريس وموسكو، صحيح أن روسيا انسحبت منها بعد اندلاع الثورة البلشفية التي أطاحت بالحكم القيصري عام 1917 وأوصلت البلاشفة إلى الحكم لتأسيس أول حكم شيوعي شامل يستند إلى المبادئ الماركسية اللينينية، إلا أنها عادت مرة أخرى لتكون جزءا من اللعبة الغربية لتقاسم العرب، أرضا وبشرا وثروات.هذه المؤامرة الكبرى ضد العالم العربي صيغت على مدى شهور من المباحثات والزيارات بين عواصم بريطانيا وفرنسا وروسيا، وتم وضع الخرائط من أجل تقسيم كل شيء بين الدول الاستعمارية، وكأنها أملاك خاصة بهم لا وجود لبشر فيها.وهنا لابد من الدخول في التفاصيل، ففي نوفمبر من عام 1915 عينت الحكومة الفرنسية "جورج بيكو" مندوبًا ساميًا لمتابعة شؤون الشرق الأدنى، والتفاوض مع الحكومة البريطانية حول مستقبل العالم العربي، واجتمع في القاهرة مع "مارك سايكس" المندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى، بحضور مندوب روسيا، أسفرت عن اتفاقية عُرفت باسم "اتفاقية القاهرة السرية"، ثم انتقلوا إلى مدينة بطرسبرج الروسية، وأسفرت هذه المفاوضات عن اتفاقية ثلاثية لتحديد مناطق نفوذ كل دولة على النحو التالي: منح فرنسا سوريا ولبنان وولاية أضنة التركية ومنح بريطانيا العراق وشرق الأردن ومينائي عكا وحيفا في فلسطين، ومنح روسيا الولايات الأرمينية في تركيا وشمال كردستان. والاعتراف بحق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في فلسطين.وتضمنت الاتفاقية أن تكون "المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا اتحاد دول عربية أو دول عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، على أن تخضع فلسطين لإدارة دولية، وجاء في الاتفاقية - المؤامرة ما نصه:المادة الأولى: فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان أن تعترفا وتحميا دولة عربية برئاسة رئيس عربي في المنطقتين "أ" و"ب"، على يكون لفرنسا في منطقة (أ) ولإنجلترا في منطقة (ب) حق الأولوية في المشروعات والقروض المحلية، وتنفرد فرنسا في منطقة (أ) وإنجلترا في منطقة (ب) بتقديم المستشارين والموظفين الأجانب بناء على طلب الحكومة العربية أو حلف الحكومات العربية.المادة الثانية: يباح لفرنسا في المنطقة الزرقاء (سوريا الساحلية) ولإنجلترا في المنطقة الحمراء (منطقة البصرة) إنشاء ما ترغبان به من شكل الحكم مباشرة أو بالواسطة أو من المراقبة، بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية.المادة الثالثة: تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين)، يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة.هذه البنود هي ترجمة حرفية لنص الاتفاقية، وكما هو واضح فإنها تتعامل مع الأرض العربية بوصفها قطعة من الجبن يجري تقسيمها وتلوينها بالأزرق والأحمر والرمادي، ومن اللحظة الأولى يتضح إنشاء حكومات عربية وليس حكومة واحدة، وأن هذه الدول الاستعمارية هي التي تعين الحكومات والموظفين والمستشارين وهي التي تتحكم بالاقتصاد والقروض وإدارة هذه الحكومات، وفرز فلسطين وإبعادها عن القسمة بين الأطراف الثلاثة وتحويلها إلى إدارة دولية تمهيدا تنفيذ وعد بلفور من أجل إقامة الكيان الإسرائيلي أو ما يطلق عليه "دولة إسرائيل".بالطبع هناك بنود كثيرة أخرى في هذه الاتفاقية أو "مؤامرة سايكس – بيكو" البريطانية الفرنسية الروسية تتعامل مع تفاصيل أخرى قطعة قطعة في الوطن العربي.ومع ذلك فهناك من يستمر باعتبار التحالف مع بريطانيا وفرنسا "تحالفا إستراتيجيا"، وهناك من الأنظمة العربية من يعتبره حتى الآن من "الأصدقاء" و"حامي الحمى"، رغم الخديعة والخيانة والتآمر على العرب وأرضهم وثرواتهم، ورغم مسؤوليتهم المستمرة عن إنشاء الكيان الإسرائيلي وتهجير الشعب الفلسطيني وتحويله إلى لاجئين.