12 سبتمبر 2025
تسجيلما جرى منذ عدة أيام في إحدى قرى منطقة القطيف بالمملكة العربية السعودية ،من تفجير لأحد المساجد في وقت الصلاة، لهو خطر كبير يهدد مجتمعات الأمة المسلمة، التي بها ما يكفيها من صراعات سياسية وطائفية مؤلمة ، ربما ترجعها إلى الخلف لعقود طويلة، إذا بقى لها وجود في الأصل في ظل هذه الصراعات، والأخطر أن تحاول بعض جماعات التطرف والتكفير أن تجرنا أيضا إلى الصراع المذهبي، الذي لاشك أنه لو نجح بالفعل، لسوف يهدد ما بقى للأمة من استقرار، يجعلنا أضحوكة الإنسانية،والغريب أن علماء المسلمين الذين كانوا أقرب إلى العصر الإسلامي الأول، كانوا أكثر انفتاحا وتسامحا، ليس مع التعدد المذهبي فحسب، بل حتى مع أصحاب الديانات والفرق الأخرى المخالفة، وأصبحت معابدهم وكنائسهم منذ العصر الأول إلى الآن!، وهذا يبرز أن عصرنا ليس عصر التسامح وقبول التعدد والتنوع الذي أتاحه الإسلام للآخر المختلف ، فما بالنا بالمسلمين، ويحتاج هذا الأمر إلى استقصاء وبعض ومراجعة في فقهنا الإسلامي. وتعتبر حرمة الدماء عظيمة في الإسلام، اعتبارها من القضايا القطعية التي جاء تحريمها في القرآن الكريم ، إلا بجرم جنائي مرتكب، كالقصاص أو الحد ، حفاظاً على الأمن والاستقرار .ولم نجد ديناً كالإسلام جعل قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياءها بمثابة إحياء الناس جميعاً ، والمال أيضاً قرين الروح .وفي خطبة الوداع التي هي ميثاق عامٌّ ودائم:" إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا ". وتكون دماء غير المسلمين وأعراضهم وأموالهم مثل المسلمين، فلا يجوز الاعتداء عليها، وهذا هو المطبق في السنة النبوية والمقرر عبر التاريخ، روى المحدّثون أن مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة (العهد) فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أنا أحق من أُوفيِ بذمته" ثم أمر به ، فقُتل . وسار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج".فحق الأمن للمواطن في الدولة من الحقوق الثابتة والمنطلقة من حق التكريم الذي جعله الله سبحانه وتعالى حقاً للإنسان ، ويأتي أمن الإنسان في حياته وفي مجتمعه لا مساس به .انطلاقا من رسالة الإسلام في الحفاظ على الإنسان في أن يعيش في أمن وسلام واستقرار ضمن الجماعة أو الأمة التي يشترك معها يحفظ له كرامته وحريته وإنسانيته .لذلك كفلت الشريعة حماية الإنسان ونفسه وماله وعرضه من الاعتداء ، وكذلك التحقير من شأنه أو تعذيبه سواءً كان من الدولة أو الأفراد ، وكفالة هذا الحق لم تأت من لوائح أو قوانين سارية من النظام العام في الدولة ، بل إن الشريعة كفلت هذا الحق ، وحرّمت " الاعتداء على أي شخص " إلا إذا كان ظالماً قال الله تعالى : (فلا عدوان إلا على الظالمين) [ البقرة : 193 ]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله). وقد أوجب الإسلام على الدولة حماية الفرد من الاعتداء والأذى وتوقيع العقوبات الزاجرة على كل من يقع منه ظلم أو تعد أو تجاوز حداً في اقتضاء حق مشروع. ولقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن العقوبات في الحدود مما لا يثبت بالرأي والقياس وأنها لا تثبت إلا بالنص ، وفي ذلك كفالة للحرية الفردية واعتبار العدوان على الشخص وقتله عدواناً على الإنسانية جمعاء فقال تعالى : (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) [ المائدة : 32 ].كما أن الإسلام يرفض الاتهام الجزافي على أي إنسان دون قرائن دالة على تجريمه بعيداً عن الشبهات أو الكيد .قال تعالى : "(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [ الحجرات : 6 ] ، ويقول : (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) [ الحجرات : 12 ] ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (ادرءوا الحدود بالشبهات ، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله تعالى). وقال أبو يوسف : (لا يحل أخذ الناس بالتهم ، ولا ينبغي أن تقبل دعوى رجل على رجل في قتل ولا سرقة ولا يقام عليه حد ألا ببينة عادلة أو بإقرار من غير تهديد أو وعيد). وقد نحا الإسلام منحى فريداً في ضمان حق الفرد في الأمن على حياته إذ سوى بنص القرآن قيمة حياة الفرد الواحد بقيمة الإنسانية جمعاء).والعقوبة التي وضعها الإسلام لعلاج الاعتداء على حقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق الأفراد إنما جاءت لحماية المجتمع والجماعة والدولة ، ولم يلجأ الإسلام للعقوبة إلا كسلاح أخير بعد استنفاد كل وسائل العلاج الأخرى وذلك عندما "تفشل كافة الروادع الأخرى في منع الفرد من تجاوز حده. فقد اعتنى الإسلام بإصلاح نفس الإنسان،و بإعمار قلبه بخشية الله، و بإشعاره بمسؤولية يوم القيامة. وبأن ينشئ فيه الميل إلى طاعة الله والرسول التي هي أول مقتضيات الإيمان، ثم نبهه إلى ما في ارتكاب الأفعال المحرمة، وإلى الأضرار التي تلحق به و بإخوانه نتيجة لها. ومن جهة أخرى، وفر الإسلام للإنسان (الأمن) عن طريق توفير كل سبل الابتعاد عن المحرمات حتى لا يكون هناك مجال لشيء من الأضرار والحاجة إلى ارتكاب هذه الأفعال. وهكذا أصبح من العدل – في الإسلام –إيقاع العقاب بهذا الذي يستهتر بحق الآخرين من الأمن لأنه يكون قد تخطى كافة الحدود والسدود، وأوغل في الخضوع لرغباته وشهواته وعواطفه، فأدى به هذا للخروج على نظام الجماعة، وهدد بذلك مصالح المجموع. وللإسلام في الجريمة والعقاب رأي ينفرد به بين كل نظم الأرض، ويمسك فيه بميزان العدالة المطلقة بقدر ما يمكنه أن تتحقق في دنيا البشر، فلا يسرف في تقديس حقوق الجماعة، ولا يسرف في تقديس حقوق الفرد، وذلك تبعاً لنظرته المتوازنة التي ينظر بها إلى الناس. والتي تهدف إلى تحقيق مصلحة الفرد والجماعة معاً.