08 نوفمبر 2025
تسجيلأتابع- بنشوة ما بعدها نشوة- ما يبدعه أصدقائي الشعراء العرب، سواء وأنا معهم وفي صحبتهم، أو حين أكون بعيدا- مكانيا- عنهم، وفي صدارة هؤلاء الشعراء الأصدقاء محمد بن خليفة العطية الذي عرفته منذ كان طالبا، يتلقى العلم في قسم اللغة العربية والصحافة بكلية الإنسانيات- جامعة قطر، وكانت قصائده المبكرة تتوالى، قصيدة تلو أخرى، أما إحساسي بخصب شاعريته فكان يتجدد ويتأكد مع كل قصيدة جديدة، ينشرها أو يكتفي بإنشادها أمام أصدقائه المحبين، إلى أن قام بإصدار ديوانه الأول مرآة الروح بعد تخرجه من الجامعة بسنتين، أي سنة 1989 وكان ممن فرحوا بصدور هذا الديوان أستاذه المباشر الناقد الكبير الدكتور ماهر حسن فهمي، حيث بادر- وقتها- بكتابة أول مقال يُنشر عن الديوان، وكان مقالا نقديا مستفيضا وحافلا بالثناء على تلميذه الشاعر الشاب، الذي تجلت براعته الشعرية فيما أبدع من قصائد، تتغنى بالوطن- قطر، وبالعروبة والإسلام وقضايا الإنسان العربي، دون أن يتغافل عن تصوير أشواقه للحب وفرحته بالطبيعة والحياة. ذاكرة بلا أبواب.. كان هذا عنوان الديوان الثاني للشاعر محمد بن خليفة العطية، وقد صدر في بيروت سنة 2002 ويحتضن هذا الديوان قصائد من الشعر الحر، إلى جانب القصائد ذات النهج المتوارث أو العمودي، ويستطيع الدارس لقصائد ذاكرة بلا أبواب وقصائد مرآة الروح أن يلاحظ أن هناك ما يجمعها ويؤلف بينها، ففيها براعة في التصوير الفني، وفيها موسيقى جميلة، ويرجع هذا- في تقديري- إلى عشق الشاعر للفنون التشكيلية وللموسيقى، ولعلي لا أذيع سرا إذا قلت إن عشقه للفنون التشكيلية لم يكن عشق المتأمل المتذوق فحسب، لأنه أبدع عدة لوحات بريشته خلال مرحلة دراسته الجامعية، وما زلت أحتفظ- معتزا- بإحدى تلك اللوحات، وهي لوحة بعنوان الصبر. محمد بن خليفة العطية في قلبي وفي بالي دائما، لكني تذكرته فرحا ومتشوقا، حين فوجئت مفاجأة حلوة، وأنا أقرأ قصيدة جديدة من إبداعه من خلال أحد مواقع الإنترنت منذ أيام قلائل، ولست أدري إن كان قد نشرها في إحدى الجرائد القطرية أم لا، وقد تمثلت المفاجأة الحلوة في أن الشاعر المبدع كان يبدو لي مقلا وشحيحا في عطائه الشعري خلال السنوات الماضية، وحين كنت أسأله عن سر هجره للشعر، كان يبتسم قائلا إن الشعر هو الذي هجرني، فأنا عاشق لهذا الفن الأدبي العربي العريق، ولهذا تراني أتعذب حقا حين يرفرف طارق الشعر بعيدا عني! طارق الشعر هو عنوان القصيدة الرائعة التي كان محمد بن خليفة العطية قد استهل بها ديوانه الثاني ذاكرة بلا أبواب، وقد احتفت بهذه القصيدة جرائد ومجلات أدبية عربية عديدة، وتسابقت لنشرها، كما كتب عنها كثيرون من النقاد، وهي تصور عذاب الشاعر حين يجافيه الإلهام، كما تصور مدى نشوته حين يتفضل الطارق الجميل- طارق الشعر بالقدوم دون استئذان، ويستهل الشاعر قصيدته الرائعة، قائلا: مِن دجى النسيانِ، من حجب الضبابِ- جئت بابي- تكسر القفلَ الذي صدأَ- تخمش الجرحَ الذي برأَ- في متاهات اغترابي- وتنادي خلف بابي- كلّ أحلامي السجينة.. هاهو الصديق الذي أحببته وأعتز بصداقته رغم البعاد المكاني، يفاجئني مفاجأة حلوة- دون أن يدري- بما قرأته له حديثا، متمثلا في قصيدته عصر الخلل، وأرجو أن يسعد بهذه القصيدة الجديدة كل الذين لم يتذوقوها بعد من عشاق إبداع هذا الشاعر الأصيل والجميل، مثلما سعدتُ بها، ها هو الشاعر محمد بن خليفة العطية يتلقى أغلى هدية، متمثلةً في عودة الإلهام بعد طول غياب وانقطاع، وكل ما أتمناه أن يتلقى هدايا أخرى جديدة من طارق الشعر!