16 سبتمبر 2025

تسجيل

التكرار الممل

24 مايو 2013

رغم الاهتمام الإعلامي الكبير بحملة تمرد التي انطلقت منذ فترة قصيرة، حتى إن وسائل الإعلام المحسوبة على المعارضة أصبحت تتابعها يوما بيوم، من حيث الأماكن التي تتواجد فيها وعدد الموقعين على الاستمارة التي تقدمها للمواطنين تطالب من خلالها بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن التدقيق في معطيات هذه الحملة والبيئة التي تتحرك فيها تشير إلى صورة مغايرة تماما لتلك الصورة التي يحاول الإعلام أن يرسمها لها. فهذه الحملة في صورتها النهائية لا تمثل إلا شكلاً باهتاً من الحملة التي انطلقت إبان أحداث بورسعيد لعمل توكيلات لقيادة الجيش بتسلم السلطة من الرئيس تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وهي الحملة التي انتهت بالفشل الذريع بسبب إعراض المواطنين عن المشاركة فيها، حيث لم يتعد عدد التوكيلات التي تم توثيقها في الشهر العقاري، المئات. ويبدو أن المعارضة المصرية التي تقود تلك الحملات، لم تتعلم من أخطائها السابقة في محاولاتها المستمرة لتخطي قواعد العمل الديمقراطي والقفز على السلطة بأساليب تخالف تلك القواعد. فقد بدأت محاولاتها بالدعوة لتظاهرات بالتنسيق مع قيادة الجيش السابقة في أغسطس من عام 2012 لتكون وسيلة يتم من خلالها الانقضاض على الرئيس المنتخب، إلا أن وقوع حادث رفح خلق بيئة غير مساعدة على تنفيذ المخطط، خاصة بعد مبادرة الرئيس بالإطاحة بتلك القيادات العسكرية مما أفشل محاولة الانقلاب. لكن محاولات المعارضة لم تتوقف، فقامت باستغلال الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 22 نوفمبر 2012، للدعوة إلى تظاهرات حاشدة أمام القصر الجمهوري تمهيدا لاقتحامه واعتقال أو قتل الرئيس قبل الإعلان عن تشكيل مجلس مدني رئاسي يضم قادتها فضلا عن أحد قيادات الجيش. ورغم تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية في تلك الأحداث إلا إنها لم تنجح في تنفيذ خطتها، واستطاعت جماعة الإخوان التصدي لها بمساندة بعض فصائل التيار الإسلامي والثوار. واستمرت المعارضة في محاولاتها للإطاحة بالرئيس، حتى جاءت أحداث بورسعيد التي استغلتها للدعوة لعمل توكيلات للجيش لتسلم السلطة وكذلك الدعوة للعصيان المدني. إلا أن هذه الدعوات لم تنجح بسبب عزوف المواطنين عن المشاركة فيها. وبعد فترة من الهدوء، لجأت المعارضة إلى شكل جديد من أشكال الانقضاض على السلطة يتمثل في جمع توقيعات المواطنين، تقوده حركة أطلقت على نفسها "حركة تمرد". وكان من الطبيعي وجود ردود فعل مؤيدة ورافضة لهذه الحركة، وفقا للتقسيم السياسي الذي يسيطر على الساحة السياسية المصرية، ما بين تيار إسلامي يساند الرئيس وتيار علماني يحاول إسقاطه. وفيما يلي أهم تلك الردود: وبالإضافة إلى ذلك الانقسام حول حركة "تمرد"، تعاني الحركة من جوانب ضعف متعددة، فهي تخالف الدستور الذي لا توجد به أية مواد تنظم عملية سحب الثقة من رئيس الجمهورية أو إقالته. حيث يحدد الدستور عملية عزل الرئيس من خلال إدانته بجريمة الخيانة العظمى المنصوص عليها بالمادة 152 من الدستور، وتكون المحاكمة بطلب موقع من ثلث أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وتتم محاكمة الرئيس أمام محكمة خاصة، يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى. كما تخالف حركة تمرد القانون حينما تقوم بجمع توقيعات بعيدا عن أية رقابة قانونية أو مظلة شرعية، تحدد الإجراءات اللازمة لمنع عمليات التزوير أو الغش، التي يمكن أن تقع في ظل وجود مشاركة أعداد كبيرة من المواطنين، حسب ادعاء الحملة. وفضلا عن ذلك لم تستطع حركة "تمرد" رغم مرور أكثر من أسبوعين عليها والمساندة القوية لها من قبل قوى وأحزاب المعارضة والإعلام التابع لهم، وبرغم عدم التزامها بالإجراءات القانونية لعمل التوكيلات، إلا أنها لم تستطع تحقيق إنجاز حقيقي حتى الآن، ولم تصل للعدد الذي يتناسب مع المجهود المبذول من كل تلك القوى والمؤسسات التي تقف وراءها. وفي سياق البيئة التي تعمل فيها الحركة يمكن الحديث عن سيناريوهين لمستقبلها: أولهما (وهو سيناريو صعب التحقق) أن تستمر الحركة في عملها حتى تصل إلى تحقيق الهدف المعلن وهو الحصول على توقيع 15 مليون مواطن ثم التقدم بهذه التوقيعات إلى المحكمة الدستورية العليا، التي يمكن أن تستغل الموقف سياسيا وإصدار حكم بعدم شرعية الرئيس. خاصة في ظل الأزمة التي تضرب العلاقة بين مؤسسة القضاء ومؤسسة الرئاسة ومجلس الشورى، أو ما اصطلح على تسميته بالصراع بين المعين والمنتخب. ويتزامن مع ذلك الترتيب لتظاهرات كبيرة من قبل المعارضة، شبيهة بتلك التي تم تنظيمها في أحداث الاتحادية في شهر ديسمبر 2012. وذلك من أجل الضغط على الرئيس للاستقالة أو على الأقل الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. أما ثاني هذه السيناريوهات (وهو الأكثر إمكانية للتحقق) فيتمثل في تباطؤ عمل الحركة تدريجيا في ظل ضعف المشاركة الشعبية وعدم إبداء الاهتمام المعلن بها من قبل مؤسسات النظام الحاكم، كما حدث مع الفعاليات المشابهة لها من قبل، مثل حملة جمع توكيلات للجيش إبان أحداث بورسعيد.