18 سبتمبر 2025

تسجيل

الهوايات في حياتنا

24 مايو 2012

لا شك أن النجاح في الحياة والقدرة على الإنجاز يحققان لنا الإحساس بالرضا عن الذات، ولا شك أن العلاقات الإنسانية الأسرية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في تحقيق السعادة، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، لذا لا يكتفي عادة بالعلاقات الأسرية، أو بنظام القرابة، فيبحث عن الأصدقاء الذين يضيفون للحياة معنىً مختلفا، من خلال قيم التضامن والتآزر وما إلى ذلك من أخلاقيات دفعت العرب منذ القدم إلى إطلاق مثلهم المشهور: ربّ أخ لم تلده أمك. وبنفس القدر تعدّ الفنون والآداب، مصدراً من مصادر الإمتاع وبالتالي مصدراً من مصادر السعادة، فقد تثيرنا قطعة موسيقية ما، بالقدر الذي نشعر معها وكأننا نحلق في آفاق رحبة، أو نقرأ قصيدة شعرية ما، فتحملنا على محفّة لتطير بنا إلى فضاءات واسعة. لكننا حينما نتحدّث عن السعادة ومصادرها، غالباً ما نتجاهل عادة مسألة الأنشطة التي نقوم بها في أوقات فراغنا، وما تجلبه لنا من مسرّات، على الرغم من أن هذه الأنشطة تمثّل في حقيقة الأمر واحة خصيبة غنّاء يقصدها الواحد منا ليستريح من عناء صخب الحياة وجدّيتها، ناهيك عن أن (الهوايات) التي نزاولها احد أهم عناصر الشعور بالرضا عن الذات. فهذه الأنشطة التي نقوم بها في أوقات فراغنا، والتي تعارفنا على تسميتها بـ (الهوايات) تختلف بشكل تام عن أنشطة العمل، لأنها ليست بالأنشطة الاقتصادية التي يراد بها توفير معاش لنا، كما أنها ليست نشاطاً اجتماعياً يراد به توطيد وتمتين العلاقات الاجتماعية، وإنما هي نشاط ترويحي خاص بنا، ووطيد الصلة تماماً بميولنا وأهوائنا. فقد نبهّتنا الدراسات مؤخراً إلى أهمية الهوايات كعامل مهم من عوامل الحصول على السعادة وتحقيقها، فالأنشطة التي نقوم بها وقت فراغنا، أياً كانت، تساعدنا وبنحو كبير على التصالح مع الذات وهذا أول شروط الرضا عن الذات. فقد يجد أحدنا في العمل الذهني الذي يتطلب مهارات خاصة وقدرات على التركيز، هواية، فيما يجد آخر في التأمل والجلوس دونما مجهود بدني أو عقلي، أو ما نصطلح على تسميته (بالاسترخاء) هواية، هذه الهوايات في النهاية ليست مجرد رفاهية أو أمور زائدة عن الحاجة، وإنما هي مسألة ضرورية ومهمة، وبما أن (الهواية) كنشاط تعبيري، نقوم به لذاته، فلا نريد من ورائه جلب منفعة أو عائد مادي، وبذات النحو فقد تجد شخصا ما، يحاول السباحة في البحر لمسافات كبيرة وبعيدة بإصرار شديد، فنستغرب ونعتقد أنه يهدر وقته ويضيّع جهوده بلا معنى، أو قد ننظر باستغراب لامرأة تمضي الساعات الطوال وبتركيز شديد في حياكة الملابس الصوفية، وهي تعتقد أن تلك العملية الرتيبة تمدّها بما ينقصها كالصبر وقوة التركيز. الهوايات تجلب للفرد البهجة والسعادة، وتعيد توازن الإنسان وانسجامه مع نفسه، فالهواية هي النشاط الوحيد الاختياري، أي النشاط الذي لا يقوم به الإنسان مجبراً أو على مضض، بل بإقبال شديد قد يصل لدرجة الشغف، لكونه خالياً من الالتزامات والقيود، كما أن الهوايات تحقق للفرد الإشباع والاستمتاع، وبالتالي تحقق الرضا عن الذات، وذلك لأنها لا تسهم في تحفيز وتحسين مهاراتنا، أو تعزز من قدراتنا على المواجهة — فقط — وإنما تشبع حاجات غريزية بداخلنا، طالما لدى الإنسان دائماً فرصة لإنجاز شيء يجلب له المتعة، ويعزز بداخله الإيمان بذاته، ويستحوذ من خلاله على احترام نفسه.