10 سبتمبر 2025

تسجيل

المساعي الحميدة في الزمن الصعب.. قطر مثلاً !

24 أبريل 2024

يُطلقون عليها وساطةً، لكن طالما هي ليست مدفوعةً الأجرـ فهي مساعٍ حميدة تلك التي تضطلع بها عن جدارة وما زالت دولة قطر، انطلاقاً من شعورها بالمسؤولية الأخلاقية ونزوعها المبدئي نحو السلام والعدل، ورغبتها في الإحسان ونصرة الضعفاء في العالم، ولا غرابة في ذلك فقد عرفت وهي كذلك بأنها (كعبة المضيوم)، تؤدي عملها بهدوء ولا تنتظر حمداً ولا شكوراً. وفي هذا المجال نجحت الدوحة أيما نجاح، إذ تركت سجلاً لا يُبارى وحققت اختراقات عميقة في تفكيك مشاكل دولية مستعصية، وفي ظروف صعبة بين أطراف وصلت علاقاتها إلى طريق مسدود، ومع ذلك تكفلت بها دولة قطر وأحكمت ادارتها ونجحت وظفر طرفا النزاع في النهاية بالجائزة وتنفس العالم الصعداء. ترافق ذلك مع ثناء وتقدير المجتمع الدولي للمساعي الحميدة التي تبذلها الدولة، وتقديره بالتميز الذي يحظى به فريق العمل من خصائص لم تتوفر لاي فريق عالمي آخر: المهنية العالية، الحيادية، والنزاهة، المقبولية الدولية، والمبدئية والإنسانية، والفاعلية والشجاعة مع الحكمة والثقة والمصداقية، وتفاصيل وثوابت كثيرة في هذا المجال لم تعد خافية على أحد. ** أصبحت قطر أيقونة، للوساطة الخالصة المجردة من أي منفعة أو مصلحة، وساعدها في ذلك الحضور الفعّال في المحافل الإقليمية والدولية خصوصا في ظل الأدوار الكبرى التي تلعبها بما يتعلق بصون السلم والأمن الدوليين وإرساء التنمية المستدامة وسياستها التي تهدف إلى تعزيز مجالات التعاون والشراكة في العالم. على هذا الأساس تركت قطر بصمة تاريخية في ملف الخلافات المستحكمة بين الولايات المتحدة وإيران، بين الولايات المتحدة وطالبان، بين روسيا وأوكرانيا، بين الولايات المتحدة وفنزويلا …. والعشرات من ملفات خطف رهائن، كما توفقت في نوفمبر الماضي في إبرام هدنة مؤقتة بين حماس والكيان الصهيوني وتكللت جهودها في ايقاف النار المجنونة والعدوان الهمجي على غزة لمدة اسبوع ونجحت في اخلاء سبيل 100 محتجز اسرائيلي مقابل مسجونين فلسطينيين، والتمكين لتدفق المساعدات لغزة المحاصرة … كما نجحت في صفقة ادخال أدوية للأسرى الاسرائيليين مقابل مساعدات طبية لمشافي غزة... التي أصبح أغلبها بسبب العدوان أثراً بعد عين. لكن المحاولة الجديدة بالتنسيق والتعاون مع جمهورية مصر تعثرت، لا لقصور جهود الوساطة، ولا لفشل الفريق المفاوض، ولا حتى لتعنت الفصائل المسلحة بل حصراً لتقلب (نتنياهو) وتلاعبه بالمواقف سعياً منه تأخير إبرام اي اتفاق محتمل من أجل إطالة أمد الحرب بأي ثمن، إذ كان يريدها صفقةً صفرية، لا مكاسب ملموسة للطرف المقابل صاحب الحق، وشروط قاسية في تبادل المسجونين بالرهائن، لا انسحاب من القطاع، وتوقف غير دائم لإطلاق النار، ولا سماح لعودة النازحين لشمال القطاع، ولا تراجع عن اجتياح رفح، مع تقنين دخول شاحنات الإغاثة... الخ هذه بكلمة أخرى شروط إذعان، لا تستجيب حتى لمطالب اهالي الرهائن من الاسرائيليين الذين يطالبون حكوماتهم بالمرونة لأسباب إنسانية، فضلاً عن المطالب المشروعة لفصائل المقاومة بوقف العدوان، وقد بات مطلباً دوليا بعد أن صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن، إضافة إلى قرار محكمة العدل الدولية. ** رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتنياهو)، كان يحلم بموقف قطري منحاز، ضاغط على حركة حماس وإجبارها على اتخاذ موقف ليس في صالحها ولا في صالح أهلنا المُعتدى عليهم في غزة، ببساطة كان يريد أن تخرج قطر عن سكة الحياد الأخلاقي، وتنصر الظالم وتفرط بحق المظلوم، ولمّا لم يتحقق ذلك ووجد في قطر مبدئية غير قابلة للمساومة، تحركت الماكينة الإعلامية الصهيونية بالطعن في قطر والتشكيك بدورها في المفاوضات، وجاء ذلك على لسان (نتنياهو) ووزرائه من عتاة المتطرفين اضافة لأعضاء سابقين في الموساد !! غير أن الموقف الاغرب جاء من مشرعين في الكونغرس الأمريكي، والأبرز كان تصريح النائب الديمقراطي القيادي (ستيني هوير) الذي وجه تحذيرا لإدارة الرئيس بايدن بضرورة (اعادة تقييم العلاقة مع قطر !!)، على الرغم ان الادارة الأمريكية لم تتردد يوماً في التعبير عن الثناء والامتنان للدور القطري في جهود الوساطة، وجاء اخيراً تصريح وزارة الخارجية الأمريكية بقولها (لا يوجد بديل لدور دولة قطر في المفاوضات). مواقف مسيسة غرضها معلوم، ومضمونها إما أن تنحاز قطر لمطالبنا أو تنسحب، ما وضع مصداقية قطر ومبدئيتها في اختبار دقيق، ولأن مواقف قطر ليست بضاعة لمن يدفع اكثر، فقد قررت على الفور تعليق ومراجعة جهودها، وصدر عن وزارة الخارجية التصريح بانها سوف «تعيد تقييمها لجهود الوساطة التي تقوم بها بين السلطات الإسرائيلية وحركة حماس، لإنهاء الحرب، مع تأكيدها رفض المزايدات التي يقوم بها ساسة في تل أبيب ضد قطر». ‏وفي هذا الصدد علق رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: بأنه «من المؤسف أن يتم استخدام الوساطة لأهداف سياسية، الأمر الذي حدا ببلاده إلى تقييم الوساطة بشكل عام»، لافتا إلى أن»المفاوضات أخذت وقتاً أطول مما يجب، بسبب التعقيدات، موضحا أن الوسيط دوره محدود، ولا يمكنه أن يتجاوز الواقع «. وأضاف رئيس الوزراء القطري أنه بالرغم من كافة الجهود المبذولة هناك مزايدات سياسية من «أصحاب الحسابات الضيقة وسجّل استياءه من إطلاق تصريحات هدامة ضد الدوحة». ** السؤال … لماذا هذا الانزعاج من موقف قطر؟ هل بخلت قطر بجهد؟ أم أن الأطراف الأخرى لم يرق لها مبدئية ونزاهة وموضوعية قطر؟ ‏هذه المواصفات بالتأكيد ليس ما تتمنى إسرائيل او المؤيدون لها في الكونغرس الأمريكي، على الرغم من أن المصلحة الأمريكية تقتضي مواصلة قطر دورها المسؤول في جهود الوساطة، لهذا يتوجب على الإدارة الأمريكية أن تتخذ القرار المطلوب في هذه المسألة وتراعي مصالحها التي ثبت انها ليس بالضرورة نسخة من مصالح إسرائيل حسب منظور (نتنياهو)، والذي بسبب تفاوت الرؤى شق عصا الطاعة عن الادارة الامريكية، بل وأهان رئيسها وأحرجه في مناسبات عدة خلال الأشهر الستة الماضية. الحملة على قطر مسيسة، ذلك ان الوسيط لا يتحمل في العادة تبعات مواقف الأطراف المتصارعة، لانت أم تشددت!، بل إن دوره ينحصر في إقناع الطرفين من أجل الوصول إلى حل وسط يقبل به الطرفان، وفي هذا المجال قطر تبذل ما في وسعها، لكنها كوسيط تبقى غير مسؤولة عن حركة حماس ولا عن مواقفها رغم أن للحركة كل الحق، وهي حرة في الرد والتعامل مع العدوان بالطريقة التي تشاء، حالها حال أي طرف يتمتع بكامل الاستقلالية في تبني الموقف الذي يعتقد بصوابه وجدواه. هل استجاب نتنياهو لتحفظات وملاحظات الرئيس الأمريكي في إدارة الحرب؟ أم أنه وفريق لجنة الحرب لم يتوقفوا عن التصريح في كل مناسبة بان إسرائيل وليس الولايات المتحدة هي التي تقرر وليس أي طرف آخر على الرغم من العلاقة العضوية المتينة التي تربطهما! ** من حق دولة قطر أن تقرر على ما تراه مناسباً، لكن جهودها ستبقى مطلوبة، ولا بديل، خصوصاً والأوضاع في غزة لم تزل كارثية تستدعي حضورها الفاعل ومواصلة مساعيها الحميدة حتى النهاية. من جانب آخر، الحملة الظالمة على قطر ماهي إلا تزكية لها ولمواقفها المبدئية والإنسانية، لهذا كان ينبغي على الدول العربية والإسلامية والصديقة والمنظمات الإنسانية حول العالم ان تعلن موقفها الصريح في الوقوف معها بحزم ودفع الشبهات عنها، وإقناعها بمواصلة مساعيها الحميدة حتى النهاية. وبينما الأمين العام للأمم المتحدة يثني على دور دولة قطر، ويطالب بمواصلة مساعيها الحميدة، تلوذ الجامعة العربية بالصمت حالها حال مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي... وكأن الأمر لا يعنيهم!! قطر تنادي (غزة لست وحدك)... فمتى نسمع عبارة (قطر لست وحدك) ؟؟؟