17 سبتمبر 2025
تسجيلعيدكم مبارك.. وبكم يتبارك. اعتبروها تهنئة من تلك التهاني المعلبة التي وصلتكم مرات كثيرة طوال أيام العيد، لكن لا تنزعجوا منها، كعادة الكثيرين منا. فكل عبارة فرح حتى وإن كان فرحا غير حقيقي، يمكن أن نستقبلها لنتخذها فرصة للفرح الحقيقي. فالفرح لحسن الحظ معدٍ، وغالبا ما يكون قرارا شخصيا ينبع من الداخل ليضفي مظاهره على الخارج، وبالتالي فكلما استشعرناه في ما يصلنا، وإن كان غير مقصود يمكنه إن أردنا أن يكون فرحا حقيقيا ومقصودا لذاته! قضيت اليومين الماضيين وقتا طويلا، في الرد على تهاني العيد التي أمطرني بها كثيرون من الأهل والأصدقاء والمعارف ومتابعي في وسال التواصل الاجتماعي. عدد الرسائل التي وصلتني كبير جدا حتى أن جهازي الصغير لم يحتمل فتوقف عن الاستقبال للحظات تحت الضغط الكبير. لست وحدي في هذا بل كلنا هكذا بالتأكيد، ومنذ سنوات، أي منذ انتشار تقنية الرسائل القصيرة وبعدها وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الجديد بالنسبة لي هذه المرة أنني أصبحت أتقبل هذا المجهود الإضافي الكبير الذي أبذله في الرد على تلك الرسائل بحب وامتنان كبيرين. وكل رد كتبته على تلك الرسائل كنت أعنيه فعلا، فأجعله خاصا بالمرسل إليه مقدّرة فضل السبق في التهنئة المعتادة. نعم.. كنت أشعر بضيق من كثرة تلك الرسائل التي أرى أنها مجرد تهان مستهلكة لا يعنيها مرسلها، وغالبا ما يرسلها بقائمة جماعية تضم كل الأسماء المحفوظة في هاتفه، حتى أنه لا يتعب نفسه بصياغتها وفقا لطبيعة علاقته بالمرسلة إليه ولا بعمره ولا بجنسه، فهي مجرد رسائل معلبة بكلمات باردة وصيغ تقليدية أفقدت التهاني حميميتها والفرح خصوصيته، كما أنها ساهمت كثيرا في التقليل من التواصل الحقيقي بين الأهل والأصدقاء الذين أصبحوا يستثقلون الاتصالات الهاتفية والزيارات للبيوت أيام العيد بعد أن وجدوا البديل السهل، فبدلا من تكبد عناء الزيارة أو الاتصال يفتح أحدهم هاتفه الصغير فيكتب رسالة أو ربما يستعيرها من آخر ليعيد إرسالها الى كل الأسماء الموجودة في جهات الاتصال، حيث يتساوى في التهنئة والمعنى الكامن فيها الصديق الحميم مع الزميل البعيد، والجار القديم مع العامل الذي احتفظ برقمه لإصلاح سقف البيت في يوم من الأيام ولم يره منذ سنتين.. وهكذا أصبحت تلك الرسائل عبئا إضافيا علينا بدلا من أن تكون مصدر فرح بيوم العيد، حتى أننا صرنا ننتقي منها القليل جدا للرد عليها، ونتجاهل البقية مع حرصنا على حذفها أولا بأول، حفاظا على ذاكرة الهاتف على الأقل. فقد ذهبت تلك الرسائل في منحنى جديد يتوافق والوسيلة التي استخدمت في إيصالها. لكنني وأنا أستقبل رسائل هذا العيد حتى قبل الإعلان عنه، فكرت بالأمر على نحو مختلف. وقررت أن أرد على الجميع كل على حدة، وهو ما حدث فعلا، بل أنني أرسلت ردودا خاصة حتى على تلك التهاني التي من الواضح أنها وصلتني بالخطأ، وأن مرسلها لم يكن يريد إرسالها لي تحديدا. أما ما غيرني وأبدل بضيقي منها فرحا وحبا وامتنانا، فهو استشعاري بالنوايا الطيبة وراءها، ومحاولة مني لتفهم ظروف الناس النفسية والتي قد لا نستطيع الإحاطة بها علنا. يكفي أن هناك من يحفظ برقمه لديك وأنه قرر في لحظة شعوره بواجب التهاني أنك يجب أن تكون ضمن المجموعة، بل حتى لو لم يقرر ذلك قصدا، فهي فرصة لك لمراجعة الاسم وإعادة التعرف على صاحبه من زاوية أو أخرى تحت ظلال الأيام الفضيلة وفي محيطها. الحياة قصيرة، مهما طالت، ولنا فيها فرصنا المحددة مهما تشعبت، وبالتالي ليس من الحصافة أن نضيع كل فرصة مهما بدت لنا هامشية وغير مقصودة بدلا من استثمارها لصالح أرواحنا المتعطشة للفرح. فبمثل هذه الفسح الصغيرة نكون أكثر قدرة على تحمل المصاعب المتوقعة.. وعساكم من عواده.