13 سبتمبر 2025
تسجيلالمرايات من حولنا في كل مكان تزين الجدران، تجذبنا منادية إيانا لنشاهد صورتنا المنعكسة عليها، ولبرهة نعود لحقيقتنا التي تشي بها ملامحنا، وبين السعادة والزهو بما تعكسه المرايا وبين الغضب والحسرة تتباين المشاعر وتختلف لكنها توحي بحقيقة واحدة إننا موجودون.منذ شاهد الإنسان القديم وجهه لأول مرة على صفحة الماء الساكن، معتقداً بفزع أن الصورة المنعكسة في الماء ماهي إلا جني يربض في أعماق النهر ويهم بافتراسه، حتى ظلت الكثير من الشعوب البدائية لفترات زمنية طويلة تتجنب النظر في صفحة الماء، واحتاج الإنسان لأشواط مديدة من الزمن ليتقبل أن الصورة المنعكسة في الماء ماهي إلا صورته هو.ليبدأ معها مرحلة جديدة من المشاعر المتباينة تجاه المرايا من تحميلها معاني رمزية إلى الخوف منها والاعتقاد أن لها قدرات سحرية خارقة، بينما بدأت معها مراحل إنسانية جديدة حيث غدت المرايا لدى البعض أداة لعشق الذات والإعجاب بها.لكنها بالرغم من كل الاعتقادات المتباينة عُدّت أداة لا غنى عنها ورغم أن الإنسان احتاج لزمن طويل حتى يتمكن من تصنيع المرايا، وبالرغم من أنها مثل كل الأشياء الثمينة والنادرة كانت حكراً على قصور الأباطرة والملوك والأثرياء.وتحدثنا كتب التاريخ ان أقدم نوع من المرايا تلك المصنوعة من الحجارة المصقولة من النوع المسمى (السبج) وهو نوع من الزجاج البركاني، ثم صنعت مرايا من النحاس المصقول في بلاد مابين الرافدين ومصر القديمة، بينما استخدم الصينيون البرونز المصقول لصنع المرايا، كما صُنعت بعض المرايا من المعادن الثمينة كالذهب والفضة وكانت للأغنياء فقط، وصنعت أول مرآة من المعدن المغطى بالزجاج في صيدا في القرن الأول الميلادي، كما نجح الرومان في تطوير تقنية لتشكيل المرايا الخام عن طريق تغطية الزجاج المنفوخ بالرصاص الذائب.وفي التاريخ اشتهرت عدة مرايا ذات قدرات خارقة مزعومة: منها مرآة بابل التي يقال إنها مصنوعة من الحديد ويلجأ لها كل من غاب له عزيز فيذكر أمامها اسم الغائب وإذا به يرى عزيزه المفقود، وذلك حسب الأسطورة البابلية.والمرآة الأخرى الشهيرة مرآة أرخميدس والتي صممها بشكل مقعر لتعكس الضوء وتجمعه في بؤرة واحدة ويمكن لهذه البؤرة ان تصدر حرارة شديدة فكانت تستخدم ضد سفن الأعداء.وتعد مرآة منارة الإسكندرية من أشهر المرايا وأهمها على الإطلاق، ففي أعلى المنارة التي اُعتبرت من عجائب الدنيا السبع، وُضعت مرآة هائلة الحجم ليمكن من خلالها مراقبة سفن الأعداء، ويقال بأن الجالس تحت المرآة كان يستطيع الرؤية لمسافات كبيرة.ولتبدأ المرايا تاريخها الطويل بين الأسطورة والمعتقدات الخرافية حيث تروي لنا الأسطورة الإغريقية في اليونان القديمة عن شاب يدعى نرسيس كان معجباً بوسامته وينظر يومياً إلى وجهه في صفحة الماء فسقط يوماً في الماء وتحول إلى زهرة النرجس الجميلة حيث نشأ مصطلح النرجسية (عشق الذات) من اسمه.والكثير من الشعوب آمنت أن للمرايا قدرات خارقة في التنبؤ بالمستقبل ورؤية الأشخاص الغائبين والأماكن البعيدة، ويقال ان هنري ملك فرنسا كان يستعين بمرآة سحرية لهذا الهدف، واستعانت الملكة إليزابيث الأولى بساحر كان يستخدم مرآة سوداء من الزجاج البركاني للتكهن بالمستقبل. كما كانت المرايا وسيلة الفتيات الأوربيات في القرون الوسطى للتكهن بالزوج المنشود حيث تنظر الفتاة لصورة القمر وهو بدر لترى صورته منعكسة في المرآة.كما اعتبرتها بعض الشعوب مصدراً للشر والرعب، حيث اعتقدوا بأن في المرايا طاقة تخطف أرواح المرضى والأطفال الصغار، لذا كانوا يغطون المرايا ليلاً بقطعة قماش أو يتجنبون النظر لها في أوقات معينة.فالمرآة مثلها مثل أدوات أخرى كثيرة اكتشفها أو اخترعها الإنسان تجاوزت الهدف الأساسي الذي اُخترعت من أجله لتأخذ معاني رمزية واسعة تتداخل معها الأسطورة والمعتقدات الشعبية.