15 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا يمكن قراءة المقال الذي كتبه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "رسالة من إيران" إلا في سياق محاولات إيران المستمرة في ممارسة شتى صنوف الخداع والتضليل، فحديث وزير الخارجية عن "الاشتباك البناء" لإيران ما هو إلا محاولة بائسة لذر الرماد في العيون إذ لا يمكن الإشارة إلى أي دور إيجابي لإيران التي ما فتئت تزعزع استقرار الإقليم كلما أمكن. وأي قراءة لما بين السطور لمقال الوزير محمد جواد ظريف تكشف عن مغازلة واضحة للغرب، والحق أن الوزير الإيراني يعرض على الغرب التعاون ربما على نمط التعاون الذي كان قائما بين إيران والولايات المتحدة أيام الرئيس نيكسون، فإيران بهذا المعنى ليست عدوا أو خصما للغرب وإنما دولة طبيعية تحاول تحسين وضعها بالتحالف مع الغرب. والمفارقة تتجلى بأبشع صورها عندما يتحدث الوزير عن أهمية التعاون وانخراط بلاده في البناء في وقت يعرف القاصي والداني أن إيران منذ الحرب على العراق كانت وما زالت الدولة التي انتهزت كل الفرص لتعزيز نفوذها الذي لا يبدو أنه يتحقق إلا في حال ضرب بنية الدول العربية بشكل عام وهو ما تحاول القيام به بشكل ممنهج.اللافت في مقال الوزير تلك اللغة التي استعملها، فقد حاول اللعب على قضايا يعتقد أنها تروق للأمريكان، لذلك شدد في مقاله على ضرورة إجراء حوار إقليمي يستند إلى ما أسماه بالمبادئ العالمية مثل: احترام سيادة ووحدة الأراضي لكل دول المنطقة، ورفض تغيير الحدود الدولية، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، واعتماد التسوية السلمية للنزاعات القائمة وعدم استخدام القوة والعمل على نشر السلم في المنطقة. ولا يحتاج الأمر لتفكير متأمل ليكتشف أن إيران بسياستها القائمة خالفت وما تزال كل المبادئ التي تحدث عنها الوزير في مقالته. فهناك ارتباط واضح بين ما تقوم به إيران وعدم الاستقرار الإقليمي كما أن هناك تلازما واضحا بين السياسات الإيرانية ووكلائها في المنطقة وبروز التنظيمات الإرهابية.لا يبدو أن هناك حدا لمحاولات النظام الإيراني في ممارسة شتى صنوف الخداع، فإيران تريد مقايضة مع الغرب تسمح لها بتوسيع نفوذها مقابل أن ترعى إيران مصالح الغرب، وهذا ما يمكن فهمه من مقولة السيد ظريف بأن على الغرب أن يفكر بالتعاون مع إيران بدلا من المواجهة، فبلاده – في حال التوصل إلى اتفاق نهائي ورفع العقوبات – تسعى أيضا إلى التعاون مع الغرب في الملفات الأخرى وكأنه يريد مقايضة التوسع الإيراني في المنطقة بتقديم الخدمات المناسبة للغرب. فالتعاون حتى مع "الشيطان الأكبر" أصبح مطلبا إيرانيا ولا نستبعد أن يتم التواصل أيضا مع "الشيطان الأصغر" لإتمام صفقة تمكن إيران من الكشف عن أنيابها بتفاهم مع العرب.هناك تطورات في الانطباعات العربية لا يبدو أنها تبعث على الراحة بالنسبة للإيرانيين، فهناك أعداد متزايدة من العرب بدأت تنظر إلى إيران كنمر من ورق، فالأداء العسكري للمقاتلين الإيرانيين وحلفائهم في العراق وسوريا يظهر هشاشة هذه القوات التي تتكبد خسائر باهظة، ويبدو أن توقيت المقال جاء بعد أن استوعبت إيران بأن العرب لم يعودوا ينتظرون أحدا لمواجهة مصادر التهديد وبخاصة تلك التي تأتي من إيران، فبعدما غيرت عاصفة الحزم موازين القوى اليمنية وفوتت الفرصة على وكلاء إيران في اليمن وأنقذت عدن من سقوط كان محتوما وبعد أن تمكنت الدول العربية من استصدار قرار مجلس أمن وفقا لرؤاها، لجأت إيران إلى مغازلة الإدارة الأمريكية لعل الأخيرة توقف التضامن العربي الذي بات يقلق مضاجع الإيرانيين.وبهذا المعنى فإن العرض الإيراني غير المباشر جاء بعد أن تيقنت إيران أن استخفافها بالعرب وبقدراتهم وبرغباتهم في المواجهة إن لزم الأمر كان في غير مكانه، فالرد العملي في عاصفة الحزم والذي ألحق هزيمة بالمخططات الإيرانية في اليمن هو الذي دفع إيران إلى الاقتراب من استجداء الغرب على التدخل للعمل على حل سياسي في اليمن إنقاذا لماء وجه الإيرانيين الذين وقفوا عاجزين عن التدخل. لذلك يمكن القول أن العرض الإيراني للتعامل مع الغرب ليس فقط مضللا وإنما جاء كنتيجة لعجزها عن ثني العرب عن الدفاع عن مصالحهم.فحديث الإيرانيين عن حل سياسي لا يتوافق مع محاولاتها تسليح الحوثيين بالرغم من صدور قرار أممي يمنع ذلك، وربما كان رد البيت الأبيض بليغا عندما عبر عن استغرابه من المبادرة الإيرانية وهي تستمر في تقديم الأسلحة للحوثيين! فلم يكن في نية إيران إلا تجنيب وكلائها خسارة تحققت.علينا ألا نستغرب الذرائعية الإيرانية، فإيران تحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب حتى لو كان الثمن هو تقديم خدمات للغرب وربما إسرائيل في ملفات أخرى، لذلك على العرب الذين استعادوا دورهم مع عاصفة الحزم أن تكون لهم كلمة صارمة مع الرئيس أوباما في لقائهم معه في كامب ديفيد الشهر المقبل، وعليهم تحذيره من تداعيات الاستقواء الإيراني وحالة التنمر لا تستند إلى قوة إيرانية ذاتية وإنما إلى ما يمكن وصفه بالتواطؤ الذي تقوم به إدارة الرئيس أوباما مع إيران.