11 سبتمبر 2025
تسجيلمع مضي الوقت ومرور الأيام والسنين يجد الإنسان نفسه قد اعتاد على أمور كانت في يوم من الأيام تزعجه أشد الإزعاج أو تحزنه أشدّ الحزن أو تؤلمه أشدّ الألم، فقد يفقد الإنسان عزيزاً لديه أو قريباً له، فيظن أن حياته قد انتهت بموت ذلك الحبيب أو القريب من فرط حزنه وألمه واعتصار قلبه بفراق من يملك حيزاً كبيراً من حبّه واهتمامه، كأمّه أو أبيه أو زوجته أو إخوانه وأخواته أو أبنائه أو أقرب أصدقائه، ولكن ذلك الحزن سرعان ما يخفّ بمرور الزمن ومضي الوقت مع أحداث وشخصيات أخرى تطرأ على حياة الإنسان، فتشغله عن التفكير في فقدِ أولئك الذين كان لا يتصوّر العيش بدونهم! فإذا به يعيش العمر بدونهم ويقضي بقية سنينه في التفكير بأمور حياته، فلا يمرّون على ذاكرته إلا عند تذكّره لهم، فيستعيد في تلك الذكرى أوجاعه وأحزانه.. وقد يشعر بغصّة في حلقه أو برغبة في أن يجهش بالبكاء كالأطفال لفراقهم.. لكنّه ما يلبث أن يعود إلى واقعه فينسى.. أو يقسى قلبه.. أو يبكي على فراشه قبل خلوده إلى النوم أحياناً.. حيث يلتقي بهم ربّما في أحلامه. هكذا الإنسان سُمّي كذلك وخلقه الله تعالى كذلك لكي يعيش واقعه وحاضره أكثر من ماضيه وأن يتأثّر ويؤثّر ويمضي في الحياة قدماً يستلهم من ذكريات ماضيه هموماً وأحزاناً مخلوطة بشيء من الفرح والسعادة، لا أن يعيش أسير الأحزان والذكريات، فلا يمضي للأمام ولا يعمل ولا يتعلّم، فيصبح كتلة من المشاعر والعواطف السلبية التي تتراكم على النفس والروح، فتجعلها خبيثة يائسة محطّمة بدلاً من أن يصبح كتلة من المشاعر والعواطف الإيجابية التي تحرّك النفس والروح للإنجاز والعمل.. وتحقيق الغاية من الخلق.. "العبادة".وما يحدث للأحزان والآلام والذكريات يحدث كذلك للمعاصي والمنكرات.. فمتى ما اعتاد الإنسان على رؤية المحرّمات واعتاد على وجودها فإنها تصبح في عقله الباطن أو اللاواعي من الأمور التي تمضي دون إعادة النظر في مشروعيتها ولا في موافقتها لدينه ومعتقداته ومبادئه وفطرته السليمة! فقد يفعل الإنسان المحرّمات أو كبائر الذنوب دون أن يقف عندها لحظة للتفكير ومحاسبة النفس.. بينما تجده يقف كثيراً عند بعض المباحات أو صغائر الذنوب، فيلوم نفسه كثيراً على ارتكابها ويحاسب نفسه عليها بشكل مبالغ فيه! ذلك لأن ميزان الأهمية قد اختلّ عنده وفقه الأولويات قد تعطّل لديه ومقياس المشاعر والعواطف قد تبلّد لديه.ولهذا نجد أن مجتمعاتنا قد اعتادت الكثير من المحرّمات نظراً لاعتياد وجودها والنظر إليها، ولهذا فإن أي جيل جديد قد ينشأ خالياً من محتوى الإسلام ومن تعاليمه وغاياته الكبرى بعد مرور الزمن، حيث يعتاد هذا الجيل على رؤية غير المحجّبات من النساء مثلاً وأن يعتاد رؤيتهن بل والنظر إليهن دون أن يشعر أو يدرك أن في رؤيته لهن تنهمر عليه السيئات تباعاً ويزداد سواد القلب وتزداد ظلمته بالمعاصي، بل ويتبلّد الإحساس لديه بالتغيير أو "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، فيصبح لدينا أجيال ومجتمع يخلو من الإسلام إلا من شكله واسمه وهيئته!ولقد انتبه أعداء الإسلام إلى ذلك مبكرا جداً وأدركوا حقيقة النفس البشرية التي ترضى وتقبل بالتغيير للأسوأ حتى وإن كان ذلك التغيير يتعارض مع دينها وعقيدتها ومبادئها وأخلاقها بعد أن يبدأ عامل الزمن في توجيه العقل إلى منطقة يغيب فيها التفكير ويتعطّل، فيبدأ الإنسان في تقبل كل شيء في عملية أشبه بالتنويم المغناطيسي ولكنه في كامل قواه ووعيه، ولهذا لا نعجب إذا وجدنا من النساء المسلمات من تتحجّب حجاباً شرعياً لا تكاد ترى منها شعرة واحدة بينما تلبس البنطلون أو الجينز الضيق والملابس العارية لبعض أجزاء جسدها! لأنها اعتادت أن تختزل الحكم الشرعي في ستر المرأة لشعرها فحسب! ولا نعجب كذلك أن نرى من يصافح النساء بعد عملية ترويج "الاختلاط" كمفهوم للمساواة "المزعومة" ولا يجد في بشاعة العقوبة والجزاء رادعاً له عن فعل ذلك الأمر الخطير الذي يراه هيّناً وهو عند الله كبير، (قال صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)، وهكذا فإنك قد تجد من يأكل الربا ثم تجده يحرص على صلاة الضحى واستعمال السواك! أو قد تجده ملتزماً بالدين ويدعو إليه، بينما تجده لا يتورّع عن الغيبة والنميمة والفتنة والطعن في العلماء، لأنه يجدها عادة اعتاد عليها منذ نشأته وهو "يلوك" أعراض الناس كما يتعامل مع العلكة في فمه!وفي أمر اعتياد المنكر.. أذكر أن الناس قد غضبوا كثيراً وتناولوا موضوع دخول بطولة التنس الأرضي للسيدات بالكثير من الغضب والاستهجان والاستنكار، بل إن بعضهم توعّد بالإنكار بمراحله الثلاثة المعروفة "اليد ثم اللسان ثم القلب"، ولكن ما لبث أن اعتاد الناس على تلك البطولات، بل وعلى رؤية أفخاذ النساء عاريات في الكثير من الأماكن لا في تلك البطولة السنوية فقط! فالغضب الجامح هدأ كثيراً مع مرور الوقت، والانفعال والحرقة على الدين ذهبت أدراج الرياح، بل وذهبت معها كل وسائل الإنكار التي لم تعرف الإنكار بالقلب "أضعف الإيمان"! لأن عامل الزمن وخبث المخطط ودهاء المؤامرة قد نجح في عملية التدرّج في المنكرات والمعاصي حتى يقبلها المجتمع وتعتادها العين وتألفها النفوس، والحال نفسه ينطبق على دخول الخمر في خطوط الطيران والفنادق وغيرها من الكبائر والمنكرات الكبرى! وأخشى ما أخشاه أن يتم صرف الناس عن دينهم من خلال عملية "استنساخ" يرضى فيها المسلم بالخمر والربا والزنا وسائر الكبائر والمنكرات ويرضى فيها بالحكم بغير الإسلام أو يرضى فيها بتنحية الإسلام عن الحكم!! ويتعلّق فيها بالقشور وبالمظاهر من الدين والتديّن.. حينها سنصل إلى تلك المرحلة التي يرى الرجل من يزني بامرأة على قارعة الطريق.. فيقول له: "هلّا تنحّيت عن الطريق جانباً"، ثم يكمل طريقه!! حينها.. فلننتظر الساعة إذاً.. ولننتظر قبلها كذلك غضب الله تعالى!