12 سبتمبر 2025

تسجيل

الحوثيون.. سادة اليمن الجدد

24 مارس 2015

يستمر الحوثيون في السيطرة على اليمن بكل ثقة وهدوء، ويتصرفون من منطلق القادر على التأثير على مجريات الأمور وتقرير النهايات التي يريدونها، فهم يلعبون بالسياسة اليمنية بمهارة وبراعة، ولولا نزقهم الأيديولوجي و"النرفزة العصبية" لاستطاعوا أن يحققوا أكثر مما حققوه حتى الآن.هذه الجماعة التي تطلق على نفسها "أنصار الله" سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر الماضي دون أن يثير ذلك أي ضجة إقليمية أو عالمية حقيقية، باستثناء "حزمة الاستنكارات" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويقل تأثيرها عن "عود قات" في فم أحد المقاتلين الحوثيين، مما فتح الباب أمام سيطرة الحوثي على مناطق ومدن أخرى ومطارات وموانئ، وباتوا يسيطرون على مضيق باب المندب، الذي يعد أهم مضيق ملاحي في العالم تعبر منه ربع تجارة العالم البحرية، أو ما يزيد على 22 ألف سفينة سنويا.الظاهرة الحوثية "ممتعة" لأنها تعطي دروسا عملية في التحليل الجيوسياسي، وتمنح المراقب فرصة التمتع بمشاهدة نظريات "السياسة التطبيقية" وهي تترجم على الأرض واقعا عمليا، ما بين البراعة والمهارة والقوة والسرعة والرشاقة والتصميم والتخطيط ووحدة القرار والمرجعية الحاكمة والقيادة الكارزمية التي يتمتع بها عبد الملك الحوثي، وقدرته على تحويل الأقوال إلى أفعال بسرعة مما يمنحها مصداقية عملية تقنع اليمني البسيط أن هذا الرجل جاد فيما يقول وأن أفعاله تسبق أقواله.لكن الحوثي رغم قوته العسكرية الوحيدة على الأرض حاليا في اليمن، والتي لا توجد أي قوة أخرى تستطيع أن تواجهها داخليا، ليس الوحيد في المشهد، فهناك أيضاً "المايسترو" أو "المعلم الأكبر" الذي يطلق عليه أنصاره لقب "الزعيم"، ألا وهو علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق، الذي حرق في انفجار كاد أن يودي بحياته، فقرر أن يحرق اليمن كله ثأرا لنفسه ولإجباره على التنحي عن الحكم.علي صالح الذي يعشق أن يوصف بـ"الراقص فوق رؤوس الأفاعي" لأنه كان يعتبر حكم اليمنيين رقصا فوق رؤوس الثعابين، خرج من المشهد لكنه بقي في المسرح ليلعب من وراء الستار، فقد أثبت أنه اللاعب الأذكى والأمكر والأكثر دهاء وحيلة، ولا شك أن لقب "الزعيم" الذي اتخذه يفوق بكثير وصف "رئيس جمهورية"، فالرئيس منصب والزعيم حالة شعبية ومرجعية وهو يماثل إلى حد ما "آية الله خامنئي" في إيران، فهو المرشد و"ولي الفقيه" وهو فوق الرئيس والحكومة، بل وفوق الشعب في بعض الأحيان، وهو ما أراده علي صالح لنفسه. وقد أثبت أنه "المرشد والمرجع" فهو الذي قام بالتأسيس السياسي للحوثيين في مطلع التسعينيات، وجعل منهم "الاحتياطي الإستراتيجي" في حال ساءت الأمور، وهو ما يحدث فعلا الآن، فهو يلعب باليمن من خلالهم، فهو الذي صنعهم وحولهم إلى قوة منظمة تعمل في نفس مسار مصالحه.لا تقف براعة علي صالح عند حدود الحوثيين، بل تتعداها إلى السيطرة على الجيش، فرغم خروجه من الرئاسة إلا أن "الزعيم" أثبت أنه المتحكم بما تبقى من قوات، وضم إلى جانبه قبائل وأفرادا يرون فيه خيارا أفضل من الموجود على الأرض.وحتى نتبين الفرق بين الزعيم والرئيس فإن عبد ربه منصور هادي، يشغل منصب "الرئيس" لكنه في الحقيقة لا يلوي على شيء، فهو عاجز ولا يملك من أسباب القوة شيئا، قدم استقالته ثم تراجع عنها، واستولى الحوثيون على البلاد في عهده الذي كان يتميز "بالشلل السياسي" بينما كان يراهن على القوى الإقليمية والدولية لإنقاذه من المأزق، وهي القوى التي راكمت الأخطاء والعجز وعدم القدرة على التعامل مع الأحداث في اليمن، مما أوصل اليمن إلى ما وصل إليه في ظل تلاشي أي قوة موازية يمكن الاعتماد عليها هناك مما جعل من الحوثيين سادة اليمن الجدد حتى وإن صرح أحدهم أنه "إذا لم تحل الأزمة في اليمن سلميا، فإن دول المنطقة ستتخذ الإجراءات الضرورية". وهي تهديدات فارغة لن تغير شيئا على الأرض، فالسادة الجدد متمكنون وليست لديهم دولة يخسرونها، في حين أن الآخرين قد يجازفون بمصير دولهم وأنظمتهم.