15 سبتمبر 2025

تسجيل

قمة اختراق الوجع

24 مارس 2014

يبدو لي أن القمة العربية الخامسة والعشرين التي ستحتضنها الكويت غدا الثلاثاء ستكون أومن الضروري أن تكون قمة اختراق وجع أو بالأحرى أوجاع الأمة التي تكابد الانقسام بين بعض من دولها وتعيش طائفة أخرى من دولها حالات ولادة سياسية جديدة مصحوبة بآلام شديدة وعنف طائفي ومذهبي وعرقي وخفوت لصوت الأمن لصالح الفوضى بكل تجلياتها وغياب القانون بل وغياب مؤسسات الدولة التي تكاد تنهار مع علو قامة الجماعات والعناصر المسلحة والخارجة عن القانون فضلا عن استمرار معاناة الشعب الفلسطيني الذي ما زال راسخا تحت قبضة أسوأ احتلال في التاريخ يقوم ليس على اغتصاب الأرض والحقوق وإنما على محاولة تغييب الهوية الحضارية له وطمس أشواقه في التحرر وامتلاك ناصية إرادته والإبقاء عليه مفتتا بين الضفة والقطاع.ربما أحمل القمة ورئاستها فوق طاقتها. فهذه الأوجاع ليست وليدة اللحظة لكنها حصيلة تراكمات سنوات قريبة وبعيدة والمفارقة أن النخب السياسية الحاكمة أوقل بعضها مع جزء لايستهان من الشعوب يتحمل مسؤولية تفاقمها وانتشارها في الجسد العربي على نحو جعله من الهشاشة بمكان ولديه قابلية للسقوط في التبعية لقوى بالخارج أو بالإقليم. ومع ذلك فإن ثمة مراهنة على هذه القمة وعلى رئيسها الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت تحديدا لوضع سياقات عملية وواقعية للتعاطي بفاعلية مع هذه الأوجاع بما يقود- ولو عبر مدى زمني قد يطول - إلى احتوائها وهنا تكمن الحاجة إلى الأمل والذي خفت صوته في الأعوام الأخيرة من فرض انتشارها وسطوتها وفي تقديري فإن ترتيب البيت العربي من الداخل بات فريضة واجبة على قمة الكويت وذلك بعد أن اتسع هامش الأزمات والخلافات والتباينات في الرؤي والتوجهات والنظرة إلى الآخر العربي باعتباره خصما لدودا وليس بحسبانه شقيقا وهو ما يدخلها دائرة التعقيد ومن ثم فإن المهمة الأولى لهذه القمة تكمن في فتح نوافذ الحوار الصريح والجاد والشفاف بين أطراف الأزمات العربية الراهنة وفي مقدمتها الأزمة بين قطر ومصر والأزمة بين قطر وثلاث من شقيقاتها بمنظومة مجلس التعاون الخليجي ثم الأزمة بين المملكة العربية السعودية والعراق وهناك أزمة أخرى قائمة بين كل من المغرب والجزائر والتي ليس لدى مبرر لعدم التعاطي العربي معها لإنهائها رغم مضى سنوات طويلة عليها وأدت إلى حد كبير لوقف تفعيل الاتحاد المغاربي. إن البيت العربي الداخلي والذي يبدو ممزقا بل ومترهلا – إن شئنا الدقة – لا يتعين تركه على هذا النحو وإلا نكون قد ارتكبنا جرما لا يغتفر وسيحاسبنا التاريخ عليه كما حاسب وما زال يحاسب حكام وملوك الأندلس الذين أدت خلافاتهم البينية وصراعاتهم على السلطة إلى ضياعها من حظيرة العروبة والإسلام وهزيمة أهم تجربة حضارية قامت على أرض غير عربية كان يمكن لو استمرت بأبعادها السياسية والعلمية والثقافية والتي مازالت تجلياتها قائمة في غرناطة وأشبيلية وغيرها من المدن الإسبانية أن تقينا شرور الغرب ومفاسد سياساته ومشروعاته الاستعمارية التي كابدنا تداعياتها السلبية في القرنين التاسع عشر والعشرين الفائتين. والوجع الآخر الذي يستحق وقفة حقيقية وجادة من قادة الأمة يتطلب من القادة العرب لمواجهة نتائجه الشديدة الخطورة بلورة مشروع عربي سياسي واقتصادي ومالي لتقديم العون والإسناد لدول ثورات الربيع العربي التي ما فتئت تواجه معضلات غياب هيبة الدولة ومؤسساتها وانتشار الفوضى الأمنية وتصاعد أزماتها الاقتصادية حتى لا تسقط في فخ الدولة الفاشلة وهي نتيجة حتمية إن لم يسارع العرب القادرون بضخ استثمارات كافية لهذه الدول حتى تتمكن من الشروع في مشروعات تنموية قصيرة وبعيدة الأمد يكون بمقدورها استيعاب أرقام البطالة الهائلة خاصة لدى الشباب الذي لعب الدور الرئيسي في التغيير الذي جرى وإن لم يكن مستعدا لتحمل استحقاقاته فترك الأمور لشخصيات وفئات وتنظيمات نجحت في سرقة الثورات ودفعها إلى مآلات لا تحقق أشواق الشعوب بقدر ما تمكنها من الهيمنة على مفاصل السلطة لصالح مشروعاتها الضيقة الأفق التي تتعامل مع الأوطان باستهانة بينما تعلى من قيمة التنظيم والفئة والشخص خصما من رصيد من الوطن. ولاشك أن هذه الأوجاع لم تعد مقتصرة على دول الربيع فحسب ولكنها امتدت قبل سنوات إلى الكثير من الدول وفي مقدمتها الصومال الممزق الأوصال بين دويلات وأقاليم والسودان الذي تمزق بالفعل إلى دولتين قبل سنتين ويعانى حاليا من محاولات إضافية لتقسيمه فيما تبقى له من أقاليم خاصة دارفور وجنوب كردفان وربما الشرق والعراق الذي يكاد يسقط في رحى حرب أهلية وطائفية ومذهبية بالطبع أمام القمة الوجعان الرئيسان وهما فلسطين وسوريا واللتين تحولتا إلى جرح دام في جسد الأمة التي لم تعد قادرة عبر نظامها الأقليمي المتمثل في الجامعة العربية على وقف نزيف القتل المفرط التي تمارسه دولة الاحتلال الصهويني ضد الشعب الفسلطيني وكان آخر مظاهرة المجزرة التي نفذتها في مخيم جنين بالضفة الغربية يوم السبت الفائت كما تمارسه سلطة مستبدة قمعية قاهرة في دمشق ضد الشعب السوري الذي استشهد منه أكثرمن140 ألف شخص غير عشرات الألوف من الجرحى ونحو 7 مليون لاجئ بالخارج ونازح بالداخل لقد سكت الضمير الدولي عن هذين الوجعين وتوقف العرب أنفسهم عن القيام بدورهم الفاعل للوقوف إلى جانب الشعبين وذلك من فرط حالة الانقسام والاستقطاب الحاد الذي تعيشه أغلب النظم العربية والتي تحاول أن تنكفئ إلى الداخل مما أدى إلى ضمور شعورها القومي ومن ثم فإن قمة الكويت مطالبة بقوة بأن تعيد الاعتبار إلى الدور العربي الذي من شأنه أن يشكل حائط صد لصالح الشعبين الفلسطيني والسوري.