13 سبتمبر 2025

تسجيل

لعبة الكراسي

24 مارس 2011

من يشاهد مدى تمسّك بعض الحكام بكراسيّهم في الحكم حتى بعد ثورة شعوبهم عليهم كما في مصر وتونس وليبيا واليمن.. يكاد يجزم بأن هؤلاء لم يلعبوا لعبة الكراسي يوماً ما في طفولتهم عندما يجري الأطفال حول مجموعة من الكراسي حتى إذا انتهت الموسيقى جلس الجميع عليها فإذا ظل أحدهم بلا كرسي يجلس عليه فإنه يخرج من اللعبة وهكذا دواليك حتى يخرج الجميع من اللعبة ويتبقى الفائز "الأول" بالكرسي "الأخير" حتى تنتهي اللعبة فيعاود الأطفال اللعبة من جديد وسط سعادة ولهو وضحك، أما من شاهد ولا يزال يشاهد حكام تلك الدول فيكاد يجزم بأنهم في طفولتهم كانوا عدوانيين وأنانيين ومكروهين ومنبوذين من بقية الأطفال.. فلا يصلحون لأن يلعبوا مع غيرهم من الأطفال الأسوياء الأبرياء.. ولا يصلحوا كذلك للعبة الكراسي.. لأنهم يؤمنون بوجود كرسي واحد فقط.. فلا تعددية عندهم في الجلوس على الكرسي الواحد.. وإنما هو شخص واحد.. لا شريك معه في هذا الكرسي.. إنه الحاكم. مؤسف جداً أن نرى هؤلاء الطغاة المحسوبين على الأمة العربية والإسلامية ممن يدينون بدين الإسلام – من المفترض - ويعتقدون اعتقاداً جازماً – من المفترض أيضاً – أن الدنيا دار فناء لا دار بقاء، وأنها دار ممر لا دار مقر، وأنها لا تسوى عند الله جناح بعوضة، وأنها دار زرع والآخرة دار حصاد، فكيف بهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ولا قولاً.. فهاهم يتمسكون بها ويتشبثون بمفاتنها وملذاتها الزائلة حتى آخر لحظاتهم بل وآخر أنفاسهم.. ولسان حالهم يقول بأنهم لا يؤمنون بأن هناك دار آخرة وأن وراءهم يوماً ثقيلاً سيُسألون فيه عن كل درهم أو دينار أو ريال جمعوه دون وجه حق أو اغتصبوه عنوة من الضعفاء والمساكين.. بل إن كل شبر من ممتلكاتهم وقصورهم وأراضيهم التي سدت الأفق سيحاسبهم عليها الله تعالى بعد أن يذوقوا أنواع الحسرة قبل ذلك، بأنهم باعوا ما عند الله من النعيم الخالد واستبدلوه بخراب الدنيا وحطامها الزائل مهما بدا متلألئاً متوهجاً لامعاً.. كبريق السراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.. إن الذي يستمع لخطابات معمر القذافي.. الرجل المجنون المعتوه الكذاب الدجّال المتمسك بالحكم حتى آخر أنفاسه يجد أنه يستمع إلى كلام مبتذل بلا هدف وبلا مبادئ وبلا أيدلوجية وبلا خطط ولا هم يحزنون، وكذلك حال صديقه في الطرف الآخر في اليمن.. علي عبدالله "صالح" الذي استبدل الصلاح بالإفساد في الأرض.. فاستحق أن ينعته أبناء شعبه بالسفّاح.. فمن يستمع لخطاباته كذلك يجد أن عروقه تنتفخ ودماؤه تغلي في وجهه غضباً وحنقاً على من أرادوا زحزحته من كرسي الحكم الذي لم يشبع من البقاء عليه بعد، فهاهو يريد سنة أخرى.. ثم يقلّصها إلى ستة أشهر أخرى في استجداء واضح ومهين كي يشتري بذلك بقايا ماء وجهه الذي تلطّخ بدم الأبرياء.. تماماً مثل صاحبه سيء الذكر القذافي الذي طغى وتكبر بمجرد رغبة شعبه في انتزاعه من كرسيّه الذي " قعمز " وجلس عليه أكثر من أربعين سنة.. سرق ونهب وظلم وطغى وتجبر.. وعدد ما شئت من الأفعال الدنيئة فيها هو وصاحبه. إن هؤلاء الطغاة لا يحكمون من أجل برنامج رئاسي معين كما في باقي الدول المتقدمة أو من أجل خطة عمرانية ونهضوية تهتم بشأن دولهم وترفع من قدرها وسط الدول أو من أجل استراتيجية واضحة المعالم والملامح، كلا.. إنهم يكذبون.. لأن الناظر إلى عقود الزمن التي أظلتهم تحتها حكاماً على شعوبهم سيعلم علم اليقين بأن لا يُرجى من وراء جلوسهم على الكراسي إلا مزيد من الخسائر في ميزانيات الدولة والمزيد من المظلومين والمضطهدين بل والمزيد من الضحايا والقتلى.. كل ذلك من أجل زيادة مدخراتهم وأرصدتهم وأرصدة أبنائهم وأحفادهم، وما تأخّرهم في الهروب من أمام زحف الثوّار تجاههم كما حدث في مصر وتونس.. إلا من أجل تحويل سرقاتهم إلى أرصدة أخرى في بنوك أو دول أخرى كي لا تمسّها يد التجميد أو المطالبة باستردادها من قبل أصحابها الشرعيين.. الشعوب. إن هؤلاء الطغاة لا يشبعون من النهب والسلب والسرقة حتى آخر لحظاتهم، تماماً كجهنم عندما يقال لها هل امتلأت؟ فترد قائلة : هل من مزيد!!، وهم كذلك يفعلون ويريدون المزيد والمزيد، ومن أجل ذلك لا يهمهم إن سقط في سبيل ذلك المزيد والمزيد من الضحايا والقتلى.. فهم لم ينتهوا بعد من عملية النهب والسطو التي بدأوها منذ اعتلائهم الحكم في أول يوم.. ولا يزالون يطالبون بالمزيد من الوقت.. لا من أجل المصالحة كما يكذب هؤلاء الدجّالون.. وإنما لتشبثهم ببقايا أحلام نائم.. كاد يصحو ويستيقظ من جراء صراخ شعبه من حوله له أن " استيقظ يا هذا.. واخرج أو ارحل من بلادنا ".. ورغم ذلك الصراخ، فإنهم لا يزالون يُكّذبون كل ما يجرى حولهم.. ويقولون في قرارة أنفسهم " هل انتهى هذا الحلم الجميل بهذه السرعة؟! "، ولهذا نراهم في قمة غضبهم وحزنهم وندمهم على كل دقيقة مرّت من مدة بقائهم في الحكم.. لم يضاعفوا فيها من سرقاتهم أو من جرائمهم، حتى إذا أزاحتهم شعوبهم عن سدّة الحكم.. تراهم في حسرة وألم شديدين على فراق ذلك الكرسي "الحقير" الذي سيلعنونه قريباً جداً.. كما سيلعنون تلك اللحظة التي جلسوا فيها عليه في هذه الحياة الدنيا.. في حين أن البعض الآخر منهم.. لا يزال يلعب "لعبة الكراسي".