15 سبتمبر 2025

تسجيل

قوة الحديد وجلد الشاة

24 فبراير 2021

"نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلّطنا على من حل به غضبه، سلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرفق بمن شكا، قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم وأي طريق تنجيكم وأي بلاد تحميكم، فما من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفون عن الكلام، وخنتم العهود والأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان". هذا ليس جزءا من رسالة هارون الرشيد المشهورة الى نقفور ملك الروم بل جزء من رسالة طويلة بعث بها هولاكو خان إلى سيف الدين قطز سنة 656 هجرية بعد إبادة الدولة العباسية وإخضاع معظم الشام إن لم يكن كلها للسلطة المغولية. وقد تعجب عزيزي القارئ الكريم من هذه اللغة التي اعتمدها هولاكو في خطاب قطز وكأنه - أي هولاكو - لم يخرج بجنوده من منغوليا الا ليصلح الامور ويطهر الأرض من الفساد بزعمه، بينما كان معلوما لجميع من في الارض وقتها ان المغول لم يأتوا الا من أجل القتل أولا ثم الغنائم ثانيا، وهذه ليست مبالغة بل حقيقة موجودة في كتاب "الياسق" الذي ألفه لهم جنكيز خان وكان خليطا من الاحكام الدينية والدنيوية، من أبرزها ان قتل الاعداء يكفر عن الذنوب والخطايا بل حتى قتل حيوانات الاعداء أيضا، لذلك كثيرا ما تجد في تاريخ المغول انهم دمروا مدنا بكاملها وقتلوا كل من فيها حتى القطط والكلاب. وبرغم تلك الوحشية التي تفوح برائحة الدم والعداء الشديد الا اننا نرى هولاكو يخاطب المسلمين من هذا المنطلق، وكأن المغول هم الاخيار والمسلمين هم الاشرار، وهذا كثير ومتكرر في التاريخ. فهذا نابليون لما غزا مصر زعم انه لم يأت ايضا الا من اجل الاصلاح، وقد خاطب الشعب المصري في بداية حملته على مصر بخطاب طويل اذكر منه قوله "يا شعب مصر، لقد أخبروكم بأنني جئت لتدمير دينكم، لكن لا تصدقوهم، أخبروهم أنني جئت لاستعادة حقوقكم ومعاقبة المغتصبين، وأنني أحترم الله ونبيه والقرآن أكثر من المماليك، قولوا لهم إن جميع الناس متساوون أمام الله، الحكمة، المواهب، الفضائل هي الأشياء الوحيدة التي تجعل الإنسان يختلف عن الآخر". وهكذا ايضا تجد الغازي المحتل حتى ولو تسلّح بقوة الحديد والنار، الا انه لا يستطيع ان يتخلى عن التلبس بجلد الشاة ليخدع الناس فيتبعوه، هو تكرار للمبدأ ذاته لكن باختلاف الطريقة فقط لا غير. والسؤال الذي أطرحه بين يديك عزيزي القارئ - ونحن نستعرض هذه النماذج بعد مرور مئات السنين - هو: ما رأيك الآن في الذين طالبوا قطز وقتئذ بالاستماع لنصيحة هولاكو؟ وما رأيك بمن طالبوه بالحوار بحجة عدم إقصاء الآخر ومنحه منطقة ثقافية حرة حتى لا يتهم بالتخلف والرجعية؟ وما رأيك يا سيدي الكريم فيمن صدق نابليون من المصريين بحجة الاستماع لرأي من جاء سافرا عن وجهه القبيح ليهاجم احدى الضروريات الخمس إن لم يكن كلها؟. هل بإمكان هؤلاء "المثقفين" ان يصنعوا مجدا او يبنوا امة او ان يسهموا في ترك حضارة لغيرهم؟ ألا ترى معي فضل الله العزيز الذي جعل القيادات الاسلامية آنذاك تتجاهل سخافات أدعياء الثقافة في ذلك الزمان؟. إن مغول العصر الحديث أعمق خبثا وأشد وطأة على الدين من مغول جنكيز خان، فهم يتغلغلون في مجتمعاتهم مطالبين شعوبهم بمنح العدو الواضح ما لا يستحقه حتى لو كان ذلك على حساب شرف أمته. فهل من مدّكر؟ يهون علينا أن تصاب جسومنا 000 وتسلم أعراض لنا وعقول ‏[email protected]