15 سبتمبر 2025
تسجيلمن الضرورة بمكان التذكير بأهمية الفعل الثقافي في المشهد العربي العام والذين بات محكوما بمحددات سياسية تكاد تفرغه من مضمونه خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي فجرت طاقات الشعوب باتجاه إحداث تغيير حقيقي وجوهري على نحو يعيد رسم خارطة الحياة ويكرس الديمقراطية والتعددية والمواطنة والكرامة والعدالة الاجتماعية والمعضلة في هذا السياق تكمن في غياب هذا الفعل من فرط هيمنة الحدث السياسي والذي بلغ مداه في اجتذاب المواطن العربي لاسيَّما مع تركيز كافة وسائط الإعلام عليه بينما لا تشغل الحركة الثقافية الا بمساحات محدودةورغم أن ثلاث عواصم عربية اختيرت خلال الأعوام الثلاث المنصرمة كعواصم للثقافة العربية بدء من الدوحة مرورا بالمنامة وصولا إلى بغداد التي أكتب منها هذا المقال مشاركا مع غيرى من الإعلاميين والصحافيين العرب في متابعة اختتام فعالياتها كعاصمة للثقافة العربية مساء أمس الأول -السبت - فإنه يمكن القول بتجرد وموضوعية أن هذه الفعاليات لم تفض إلى تقليص مساحة ما هو سياسي لصالح ما هو ثقافي وإن نجحت في محاولة تقديم بعض من أنماط الثقافة والفنون من بلدان عربية مختلفة للمواطن العربى في الدولة التي تحتضن هذه الفعاليات وشكلت في الوقت نفسه نافذة لمناقشة التحديات الثقافية الوطنية والقومية إلى حد ما وهو ما يجعلني أطالب بتعديل صيغة هذه الفعاليات لتكون أقرب إلى المواطن بدلا من تركيزها على النخب والتي هي على دراية بمضمون الفعل الثقافي أما المواطن فتركيزه هو دوما على البحث عن لقمة الخبز وتلبية احتياجات الأسرة اليومية وبالكاد يفكر في تلبية احتياجاتها الثقافية وعلى وجه التحديد شراء الكتب والمجلات المتخصصة وهو أمر بات من مستبعدا من ميزانية أي أسرة التي تخضع لابتزاز دائم من التضخم وارتفاع الأسعار في متوالية مرعبة.وفي ضوء ما تابعته في بغداد أود الإشارة إلى جملة من الملاحظات والمشاهدات على النحو التالي: أولا: لقد ركزت وزارة الثقافة أغلب الفعاليات على العاصمة – بغداد- وذلك ناتج بكل تأكيد عن الأوضاع الأمنية المضطربة ولكن رغم ذلك فإن ثمة مردودا إيجابيا لهذه الفعاليات تمثل في أنه حشد العراقيين بمختلف مكوناتهم في متابعتها والذوبان فيها وتجاسروا على مواجه ما يسمونه في العراق الإرهاب والذي لايكاد يفارق العاصمة وغيرها من مدن بلاد الرافدين وهو ما يجعلني أقول أن بغداد هزمت الموت بالثقافة وتلك في تقديري نتيجة بالغة الأهمية بصرف النظر عن سلبية هنا أو هناك.ثانيا: إن فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية حظيت باهتمام بالغ على المستوى الرسمي متجليا ذلك في تخصيص حوالي نصف مليار دولار لإنفاقها عليها وإن كان البعض- منهم الفنان التشكيلي العراقي فاضل عبد الحكيم يرى أنه تم صرف هذه الأموال الطائلة دون تخطيط مسبق لمشاريع ومبادرات ثقافية. ثانيا: لم تتمكن هذه الفعاليات من إنقاذ الوضع الثقافي في العراق من الركود الذي يعيشه وذلك وفقا لرؤية الروائي العراقي حميد الربيعي، بل كرست ابتعاد الثقافة الرسمية عن المثقفين وعن الشارع والحراك الثقافي مشيراً إلى أن طبيعتها تقوم بالأساس على إيصال المنجز الثقافي العربي إلى بغداد ونشر الإبداعات الثقافية العراقية عربيا، ولكن الذي حدث أن لا أحد من المثقفين العرب ازداد اطلاعا على الثقافة العراقية بالإضافة إلى أن المثقف العراقي الحقيقي ظل مغيبا عن الفعاليات لكن المخرج المسرحي عماد محمد يختلف مع هذا الطرح ملفتا إلى أن هذه الفعاليات أفضت إلى حراك واضح في الثقافة العراقية خاصة فيما يتعلق بالمسرح والموسيقى، وأتاحت بلاشك فرصة مهمة للفنانين لاستثماره بإنتاج أعمال جيدة مشيراً بشكل خاص إلى أن مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول كان الأهم ضمن هذه الفعاليات وحقق نجاحا متميزا من خلال مشاركة الفنانين العرب البارزين في بغداد في ظل الأوضاع التي يعيشها البلد مبينا أن بغداد كانت تستحق أكثر بكثير من الذي قدم خاصة أنها موطن الثقافة العربية ومع ذلك أنتقد ما وصفه بغياب الاستراتيجيات والتخطيط العلمي والفني مما جعل العشوائية والفوضى تتحكم بما قدم خلال هذه المناسبة، كما وجه انتقاداته لبعض الفنانين والمثقفين العراقيين الذين راحوا يهرولون وراء المنافع الشخصية على حد قوله وهو ما اعتبره المعضلة الأهم.ثالثا: وفي المقابل فإن المنظور الرسمي للفعاليات يرى أنها كانت إيجابية وفق ما أعلنه مهند الدليمي وكيل وزارة الثقافة العراقية والذي تحمل مسؤولية الإشراف على ختامها بسبب انشغال الدكتور سعد الدليمي وزير الثقافة والذي يحمل في الوقت ذاته حقيبة الدفاع بمتابعة الأوضاع العسكرية في منطقة الأنبار المشتعلة فقد تحدث عن احتضان بغداد لعام كامل من الفعاليات الثقافية التي أحيتها فرق فنية من جميع الدول العربية، وأسعدت العراق وشعبه معتبرا أن المشاركة العربية الفعالة من خلال إحياء أسابيع ثقافية مميزة أعادت العراق إلى حضن أشقائه العرب بعد سنوات من البعد فرضتها ظروف الحرب، مضيفا: لقد تحدينا - عبر فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية خلال العام 2013 - الإرهاب بالفن والثقافة والأدب. وفيما يتعلق بالانتقادات للإنفاق المالي يبين مهند الدليمي أن مجلس الوزراء العراقي خصص ميزانية مالية للفعاليات بلغت 500 مليون دولار، واستفادت منها كافة الفروع الأدبية والفنية وأحدثت حراكا مهما، والذي ولد بدوره جدية في الاستمرار في دعم قطاع الثقافة، مبينا أن وزارة الثقافة تجري الآن تطوير البنى التحتية للثقافة العراقية من خلال بناء دار أوبرا ومسارح مشيراً إلى أن وزارة الثقافة أقامت خلال فعاليات المهرجان أكثر من 114 معرضا تشكيليا، مما انعكس بشكل إيجابي على الحركة الثقافية وبالخصوص التشكيلية وأدى إلى تناقل الأفكار بين جيلي الرواد والشباب ; كما قامت الوزارة بطباعة أكثر من 600 كتاب خلال عام 2013 بواقع ألفي نسخة للعنوان الواحد، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق كما تم استضافة الآلاف من الشخصيات الثقافية والإبداعية والفنية العربية والعالمية خلال هذا العام وتحركت الوزارة بفعالية لتوفير أفضل الظروف والمقومات لإنجاح الفعاليات ولكن كل شياطين الأرض تحالفت – الكلام لمهند – ضد بغداد لعزلها عن محيطها العربي لكنهم عجزوا عن ذلك بجدارة فبغداد لم ولن ينتهي بريقها وبهاؤها الحضاري والثقافي والإبداعي ورغم أن قدر العراقيين أن ينزفوا ويقاسوا الا أنهم في النهاية ينتصرون وسيهزمون الإرهاب الذي هو في نزعه الأخير. ويرى مهند أن حجم الخراب الثقافي الذي شهده العراق بعد عام 2003 كان كبيرا، ومن ثَمَّ فإن أي جهد للتخلص منه لا تظهر نتائجه بسرعة، مؤكداً أن الخلافات السياسية التي شهدتها بلاد الرافدين خلال الأربع سنوات الماضية انعكست دون شك على المنجز الثقافي وعلى أداء على وزارة الثقافة