19 سبتمبر 2025
تسجيلأمرُ على الوجوه بصمتِ صاخب.. أتفحص ملامحها بتمعنٍ وذهول، لعلّ هذه الوجوه لا تبصرني كما أُبصرها، فأنا أجهل الوقت الذي يفرق بين زمن ذلك التوثيق التصويري وبين وقوعي بين يدي الصورة ذاتها.. هي صورة التُقطت في حقبةٍ ما، في بقعةٍ ما، في تلك اللحظة أجبرني سيدي العقل على إطالة التأمل في تفاصيلها، ففعلت، حتى بتُ أشك أن مصورها تقصّد صفعي بها، وأنه التقطها فقط ليُصيبني وابلاً من الوجوم، وأنه أراد بها أن أطأ أراضين التيه والهذيان.. كانت الصورة تحكي قصة مجموعة من البشر، وقفوا صفاً في بؤسٍ وضنك، يمسكون بأوان فارغة ينتظرون أن تُملأ بالطعام..! في محاولاتٍ شبه يائسة للنجاة من كارثة صعُب علي تصنيفها، أهي كارثة إنسانية أو طبيعية، كارثة تُسمى بـ / المجاعة..!! في غضون لحظة، كانت تتوارد على ذهني المزدحم بعض من آيات القرآن الكريم (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف )، (ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع )، (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف ).. إذاً، قد تضم بقاع الأرض أُناساً لم يجوعوا فحسب، بل حلّت عليهم لعنة المجاعة فكانوا من الهلاك قاب قوسين أو أدنى، وقد قضوا نحبهم جوعاً..!؟ إنني أتساءلُ هنا، هم لم يأكلوا بمقدار كم مما نعدُ ونحسب..!؟ أجاعوا دهراً..!؟ زمناً..!؟ عمراً..!؟ أو يوماً..!؟ كم من الوقت كانوا على ذلك الحال فوصلوا إلى هذه الحال..!؟ وكم من الوقت الذي هم بحاجته للامتثال للشفاء، وبأي مقدارٍ من الطعام هم بحاجته، وأي مقدارٍ من العلاج، وكم سعة الذاكرة التي تتطلبها أذهانهم لنسيان هكذا كارثة مرت وليتها لم تمر..!؟ أيجوعُ البشر إلى حد السؤال والطلب عن الطعام..!؟ إن عقلي بجميع ما يعتريه من نقص وقصور، لم يُخيّل له يوماً أن السؤال قد يكون في غير طلباتي العابثة من والديّ، كحاجتي للترفيه أو السفر، إلى آخره من طلباتٍ لا أراها الآن إلا أنها تعتلي قمة اللاشيء.. لم أُدرك أن السؤال يتعدى تلك الحماقات إلى ما هو أعظم وأجل، إلى حاجة من احتياجات الحياة، كأن يسأل الإنسان لقمة تُسمنه وتُغنيه من جوع..! كأن يُحاول محاولاتٍ يختلط بها الأمل واليأس أن يُنقذ طفلاً يجوع، يرفع رأسه فيرى أن العالم أجمع أكبر منه، فبكى.. أو كهلاً يجوع، ليرفع رأسه، فيرى أن العالم أجمع أقوى منه، فهوى.. أو امرأةً، أو شاباً، أو نفساً، هاجمهم الضعف والجوع فقصم ظهورهم.. أفقت من نوبة الفكر، فأدركتُ أنني صُفعتُ بعُنف، صفعةٌ زمنية لا ينبغي لها أن تُنسى، كما أنني أدركتُ أنني كنتُ منكبةً على الصورة أبكي بحرقةٍ وألم، وذهولٍ وعجب،، ودعواتٍ وابتهالات، وحمدٍ وامتنان.