12 سبتمبر 2025

تسجيل

سأُصلي من أجلكِ يا أمي

24 فبراير 2012

يا أمي.. يا شقيقةُ أمي.. لا ضير لطالما أن الخالة (أم) يا أمي.. يا خالتي.. يا حبيبة الضادِ وحبيبتي.. لطالما تربيتُ على يديكِ كما يتربى الصغار على يد الكبار، لطالما تتلمذت على يديكِ كما يتتلمذ الطفل بين يدي والديه، فيتلقن أبجديات الحياة، هكذا تلقنت أنا.. واستقيتُ دروساً مُذ بدأت مداركي بالاستيعاب والفهم، إلى أن تشكّلت على ما أنا عليه الآن، فأحببت الضاد بقواعده وإملائه، وتعلّمت أن أمسك القلم بمهارة، فاتلاعب بالحروف لأجعل منها كرنفالاً يحكي همّي، وأفراحاً تروي حُزني، يَعجب القارئ لجمالها وإن كنت أتكسّر ألف مرةٍ حينما أكتبها.. بكِ يا خالتي، أحببت الصبح وأدركت معانيه.. ألكِ أن تفيقي قليلاً، فأنا وكورنيش الدوحة وذكريات الرصيف وشهر تشرين ننتظر منكِ تبسّماً وحناناً.. نحن هنا على يمينكِ ننتظر لحظة أبدية تفيق الأميرة من نومها، لتأخذنا إلى الرصيف ذاته، على الكورنيش ذاته، كما اعتدناكِ صغاراً، أنا وإخوتي في أوقاتِ سفرِ والديّ، حيث كنّا نُودعِ في حضنكِ الأرحبِ.. أفيقي من أجلنا يا عظيمة.. من أجل البيت العتيق.. وزاوية الشاي وكتاب اللغة العربية.. من أجل جدتي وأمي، وأخوالي وأُهيلَ الحيّ.. من أجل طفلٍ يبلغ من العمر سنةٍ ونيّفاً، ينتظر سقاية حنانٍ يا مورده.. من أجل زاويةٍ في صحيفةٍ يومية، تدثّرت الجوع والخوف مُذ غبتِ وعياً، تنتظر وابل غيثكِ وجود حروفكِ فأمطريها يا ديم.. يا فلة الدار.. إنني وبمروري اليوم على المكتبةِ الكئيبة، أبصرت دموع (خير الدين الزركلي) في رفِ من رفوف المكتبة، تطفو على سطح كتابه (الأعلام) بجزئه السابع، أتذكرين يومَ استعرته منكِ بقصد قراءة ترجمة إحدى الشخصيات، فنسيته في مكتبتي، نسيته أعواماً، ولم أره إلا اليوم، يبكي معي، يدعو معي، يبتهل معي.. تماماً كأرض قطر، وشعبها وأشجارها وطُرقاتها، أبصرينا هاهنا، فكلنا موّلون وجوهنا حيث قبلة الله، وبين أيدينا ابتهالات كثيرة، ودموع غزيرة، وآمال عظيمة، أن يمنّ الله عليكِ بشفاءٍ ليس بعده سقماً أبداً، وأن تأتي لنا بشارة فرحة في عامٍ لا يُشبه إلا عام الحزن، فيه وُلد الألم من رحم الزمن، فنفث في وجهي وأحرق عيني، ليتركني بائسة أبكي، أبكي من رحلوا مُفارقين، أحياءً كانوا أم أمواتا، فيه آمنت أن الأحزان لا تأتي فُرادى..