19 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة إلى ضابط شاب

24 فبراير 2012

قطر الرجـــــال الأولين حماتنا يوم النداء وحمائم يوم السلام جوارح يوم الفـــداء للتو، كانت قد تخرجت الدفعة السابعة من كلية أحمد بن محمد العسكرية.. تخرجوا وهم يحملون حقائبَ ملأى بمئات الأمنيات والذكريات، وازدحمت في صدور أهاليهم آلاف الدمعات والابتهالات.. كان في رأس كل أمٍ عالم من الخيال، فلكأني أشعر بها وقد أغمضت عينيها تتذكر يوم ولادته وفرحتها به، ثم التحاقه بالمدرسة، بكل ما تحمل تلك السنوات من تفاصيل، إلى أن وصل هنا، إلى الميدان، حيث يتخرج من مصنع الرجال (ضابطاً )، وما ان تفتح عينيها ثانيةً من رحلة الذكريات تلك، حتى ينهدّ سداً من الدمع الغزير. إن موقفاً مُهيباً كذلك التخريج لم يكن سدرة منتهى الأمنيات والطموح للخريجين، بل لعلّه الخطوة الأولى إلى عالم تحقيق الأمنيات، وطموح النهوض بالوطن حيث التقدّم في شتى المجالات، والتطور في جميع الميادين. وإن ذلك لا يحدث مصادفة أو أن يكون تمنياً، بل بالإيمان التام بمبادئٍ هي كالأسس التي يقوم عليها كل نجاح، فما بُنيَ على الحق فهو حق..! إن العمل والحياة المهنية، يكون ارتباطها الأعظم بالوطن، فالوطن هو الذي قدّم الأرض، التي عليها نحيا ونعمل، ومن ثم وفّر لنا جميع احتياجات الفرد لأن يحيا حياة كريمة رغيدة، كالأمن والتعليم والمسكنِ إلى أن أدخلنا إلى مجتمع العمل والمهنة، ولأن الوطن ما أنجب إلا أبناءً أحراراً كراماً، فهم لا يتوانون للحظة أن يقسموا بالولاء، والولاء فقط، لله والوطن والأمير. فالولاء كشعور فطري يُخلق في نفوس الخلائق، ما هو إلا حصنٌ منيع عظيم، فولاذي الصنع والطبيعة، تتكسر من أمامه الحياة ومغرياتها، وتتقزم في حضرته همم الأعداء ومخططاتهم، فلا حب يفوق على حب الوطن، ولا مشاعرً تتفوق على الولاء. أما ثاني الأسس فهي الاحتساب، وأعني بذلك أن يحتسب الشخص جلّ ثانية تمر، وكل عملٍ يُعمل، طاعةً لربه وخدمةً لوطنه، فهو بذلك يكون قد حظي بطاعة الله أولاً، ثم أن يؤجر على عمله الذي يعمله، وبعد ذلك سيتعاظم شعوره بالإخلاص،، الإخلاص التام بأن ذلك هو عملي، أقوم به لا للرياءِ أو الإرضاء، أنا أقوم به لأنني كُلّفتُ به، فأنا في جميع الميادين، وأمام الجميع، عملي هو ذاته، وإخلاصي هو عينه، لا يتضاءل أو يتعاظم لأجلِ كائناً من كان، بل هو عظيم في الأصل، صادق نابع من الذات. وللإخلاص أخت طاهرة، تسمى الأمانة، والأمانة تبتدئ في الكلمة قبل أن تُطلق وتمتد حيث المحافظة على المال العام، وعدم التدخل في الشؤون الخاصة لها. أما على أرض العمل، فهناك مجتمع من البشر، ينتظرون منك الأفضل، والتعامل الأحسن، ولعلّ الخلق الطيب بالعدل بين المرؤوسين هو مفتاح النجاح، ولا أعني هنا المساواة، فالمساواة في ظل تفاوت القدرات ظلم بحد ذاته، بل إعطاء كل ذي حقٍ حقه، فأنت هنا قائد محنّك، وما القيادة إلا (فن التأثير بالآخرين )، فكن المؤثر الأقوى بالحسنى، وإن كانوا من ترأسهم شخص واحد، فلعل من ترأسه الآن، قد يجمعكم ميدانٌ واحد في نداءٍ واحد، فيكون كل منكم جدارحماية للآخر، ففي لحظة الدفاع عن الوطن، القائد والجندي سواسية في العطاء، مُتشابهين في الدفاع. ولعلّ فن التعامل يكمن في المحافظة على العلاقات، فكما قيل أن (معرفة الرجال تجارة)، فكم من مسألةٍ من مسائل الحياة تختصرها خطوة، وهي في الأساس أميال منقطعة النظير، ومسافات شاسعة، فالذكاء الاجتماعي وحسن اكتساب ود الناس، ليس بالأمر الصعب، بقدر ما يتطلب إلى صبرٍ وحنكة، ففي النهاية هم بشرٌ كما نحن، يعتريهم من النقص والخير ما يعترينا. أنتم حماة الوطن، عليكم تعلّقت آمالنا. لكم بكت مآقينا، وارتفعت دعواتنا وابتهالاتنا.. فلا تتضاءل طموحاتكم، فهي في قطر ولقطر.. لا تتوانى هممكم، فهي من أجل درة الأكوان، وأغلى الأوطان.. انطلقوا، فعين الله ترعاكم، وترعانا، وتحفظ قطر أميراً وحكومةً وشعباً..