11 سبتمبر 2025

تسجيل

حروف تأبين.. فإلى عليين

24 فبراير 2012

فاحت رائحة الموت في أحرفي مُذ مدة، ولكن لم يُخيّل لي للحظة أن تختنق لتنعيكِ.. إني وبكل ما أُعانيه من صدمة صعقت كياني ففتفتت ذراته، أشعر بأنني لا أحتاج إلا لعلاجٍ مكثّف يُساعدني على استكمال مسيرتي الحياتية، إلى أن أكون في يومٍ ما، في مثل مستقركِ.. لا أُذيعه سراً، أنني أمِنتُ الموت لدرجة أن خيالي لم يجمح يوماً في أنكِ ستكونين في عداد المتوفين، وضمن قائمة المفقودين، وأن لساني سينطقها — رحمكِ الله —.. إن كلمة (ماتت) لا تُناسبكِ يا صديقة، ولا تليق بكِ يا قريبة..! أستغفرك يا الله أنا لا أعترض على قضاء قضيته، فجعني فشعرت أن ثمة خللا كونيا حدث، وأن ساعة الدهر الحديدية تلحلحت عن مكانها ليتغيّر التوقيت الزمني، ولكن لعلّ جزءا من إدراكي فُقد بفقدها، فكان أن أهذي بما لا يجوز لي نُطقه، فمنك المغفرة يا عظيم الجود.. يارب..! فإن كان أن مسحتها من الوجود، فمَن لي بمسح وجودها الشفاف في ذهني.. كيف لي أن أسلى صوتها المُرتجف عند الحديث، ضحكتها التي تكاد تصل إلى ما وراء المدى.. فَقد هاتفي لهاتفها..!! رسائلها..! يا رسائلها..! بعضٌ من أحاديثها..!! خلافاتنا..! إن فقدها بدد جبروتي فصار هباءً منثورا.. أنا بتُ أخاف صوت الباب والريح وحتى الجدار، بتُ أخاف الصوت والظل والحرور.. أهاب الأرض لأنها وبكل جرأةٍ احتوت جسدكِ، ثم وبكل صرامة ابتلعتكِ صمتاً، هي لم تأبه لصياحنا وبكائنا وصراخنا، لم تهتز لانهيارنا الواحد تلو الآخر.. أنا بتُ كالرضيعة أحتاج أمي أعظم من ذي قبل، أحتاج أن أختبئ وراءها كالطفلة التي تشعر أن الكون برمته أكبر منها، صرتُ أخاف الموت والحياة.. إنني إنسانة مختلفة كما لم تُخلق من قبل، بل أشعر بأنني مولودةٌ جديدة ولدت في عمر الستة والعشرين، جديدةٌ هذه الحياة بالنسبة إلي، أجهلها ولا أكاد أعرفها.. إنني واليوم أنعيكِ دمعاً، وتقف الحروف للتأبين حزناً، لا يُخيّل لي إلا أن الحزن رجل نفث في وجه كل شعب قطر، فأمسى شعباً حزيناً باكياً، ينعى عزيزاً غالياً، تراب قطر وسماؤها، مداها وأُفقها مثقلة بالأسى، حتى خيلكِ تبكيكِ، اسطبلاتها، رسنها، صهيلها، كل شيءٍ يا أنتِ كل شيء.. هم كاليتامى يبكونكِ، فأي فجعٍ خلّفتِه، وأي وجع تركتِه في القلوب والأماكن..!! أقسم بمن قبض روحكِ أن لي بين الأضلع قلباً موجوعاً مفجوعاً منفطراً من الحزن.. وأن موتكِ ما هو إلا إحدى كيات الحياة التي توسمت بها مشاعري وعقلانيتي، فأنا لم أنتظر أن أفقد عزيزاً، بل أنا كنت بحاجة أن ينسى الفَقدُ أحبتي إلى أن يتذكرني.. عُذراً يا لُغة..!! عُذراً يا أدب..!! عُذراً يا حروف ويا كلمات..!! لم أسع لتهذيبها كلماتي لتليق أن تقرأها الأعين التي تبحث عن الأدب الحقيقي، أنا أتحدث من واقع وقتٍ تعدّى حدود الزمن، وحزن خرج للتو من رحم صدمة.. فاقبلوا الأحرف وإن ركّت، والمشاعر وإن دكّت.. اللهم ارحمها واغفر لها وبدد حزناً تعاظم لفقدها واجعلها ممن قالوا: (قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المُكرمين).