10 سبتمبر 2025

تسجيل

أرذل العُمر

24 فبراير 2012

تماماً كذلك الطفل، الذي شعر أن العالم أجمع أكبر منه.. فضعفت حيلته وبكى.. هو حال المسن، الذي شعر أن العالم أجمع أقوى منه.. فضعفت حيلته وهوى.. لا فرق بينهما إلا أن الآخر يحتوي على ذاكرة ممتلئة، مُزدحمة بالخبرات الحياتية والمواقف واليوميات والذكريات وسنين لا يُمكن لها أن تكون على مسارٍ واحدٍ من الارتياح والطمأنينة، بل كان لها حقها من الآلام والأوجاع، من الدمع والصدمات،، هو الضعف عينه، وقلة الحيلة، والحاجة للعون والمساعدة.. إن منظر عجوزٍ تخرج من المستشفى، لا تكاد أن تخطو خطواتها لكي تعود حيث أتت، تُمسك بها خادمةً آسيوية، يكاد يقضي على فرحي، ويفجر سداً غزيراً من الدمع في عيني.. لعلّي لا أعرفها، ولكني أشتهي أن أقبّل عروق يديها النافرة، تلك التي تُشبه خريطة الزمن، طُبعت على يديها، فتشبث يديها بيديّ الخادمة يُشبه انقباضة قلبي بالحزن، والخوف، وانعدام الأمن من هكذا مَشهد.. تخيّلتها حينما كانت طفلة، تتفجر طاقةً وحيوية، لا يكفيها اللعب في النهار، حتى يُخيّل لها لُعبها وهي نائمة.. ومن ثم شابة، كزهرةٍ أينعت فحان وقت قطافها، تتزوج وتُنجب، وتربّي، وتدرّس، وتسهر وتكبر.. تكبر فتفقد الأشياء حولها، شيئاً فشيئاً، فلعلّ أول المفقودين، راحتها، ومن ثم حريتها ومن ثم قوتها.. ويكبر الأبناء، فتفتقد وجودهم، ويموت الأصدقاء، فتفتقد صحبتهم، وتكبر بمعيّة الوحدة إلى أن تصل إلى أرذل العمر، فلا أنيس ولا ونيس، ولا صاحب ولا ابن.. ماذا لو آل حالي إلى حالها، فاختبرتُ ألم الوحدة، والفقد، والفراق، أتجرعه فلا أكاد أسيغه.. ماذا لو لم أجد من جموع الأصدقاء، والأهل، والأقارب سوى خادمة أتشبث بيديها لكي لا أهوى من على سلّم الحياة.. ماذا لو فقدت التقدير في خريف العمر القاسي، ولا حول لي ولا قوة.. كانوا مثلي، يلفهم لفيف الأهل والأصدقاء، كما يلتف الغيم على قمم الجبال، ولكن يبقى الغيم غيماً، بخار سريع الانقشاع والاختفاء، ويبقى الجبل وحيداً صامتاً، يتجرع من عوامل التعرية الدهرية، ما يهول قممه، فينحت من دمعه الصخر بائساً.. إن فئةً عظيمة كفئة المسنين، لا ينبغي أن يجدوا منا إلا عظيم احترامنا، وجزيل شكرنا، وصدق برّنا.. يجب أن نحتوي على مداراتٍ لا متناهية من الصبر، يتسع للامدى من ضعفهم، فلا حول لهم ولا قوةٍ إلا بالله، بعد جسدٍ قد هان، وذاكرةٍ قد شابت، وعمرٍ وصل إلى أرذله.. اللهم ارحم ضعفهم وقلة حيلتهم.. اللهم ارحمنا إذا وقف