19 سبتمبر 2025
تسجيلقالت: (تعرّضت لظُلمٍ عظيم، فأصبحتُ أستيقظ وأبيت على الدعاء على من أوقع علي الظلم، حينها، كنتُ أشعر بنارٍ مستعرة لا تنطفئ ولا تخمد، حتى جاءت لحظة التحوّل، فسيطرتُ على مشاعري الهائجة، ومسكتُ بزمام غضبي، وحوّلت مسار الدعاء، من الدعاء عليهم بالعقاب العسير، إلى الدعاء لهم بالصلاح والتسخير، فكان أن تحوّلت النار إلى برد وسلام في صدري، كانت لحظة صفاء مع النفس، فصار التوبيخ ثم الترويض ).. كان لذلك الحديث عظيم التأثير في نفسي، لأنني وبكل ما يعتريني من نقص وقصور، في حال وقوع الظلم علي، فإن لساني يسير في مسار الدعاء (على)، بدلاً من أن يكون الدعاء (لـ )، حيث تستبد فيني الحدة العمياء، فلا أعي ولا أُدرك، ولا أستوعب ما يدور حولي، حينها شعرت بحاجتي لتلك اللحظة، لحظة الصفاء والتوبيخ والترويض.. بشرٌ نحن.. نحيا، ونستشعر، ونفرح ونغضب، وأن نغضب، يعني أننا لا نُدرك لما نقول، ولا نعي لما نفعل، أي أن ردات أفعالنا تكون تحت تأثير ما يسمى بغياب الوعي، أو الحدّة.والحدّة من منظوري الخاص هي لونٌ من ألوان الجنون المذموم، وأن نلامس الجنون في لحظة ليس بالأمر الهيّن البتة، وأن نمارسها بالقولِ أو الفعل هي الخسارة عينها، خسارة للصحة والعافية، وللعلاقات والبشر، وللحسنات والثواب.. وقد ذكر ابن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس)، أن راهباً قال للشيطان وقد بدا له، (أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم) قال: (الحدة، إن العبد إذا كان حديداً قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة).. إذاً، وقبل أن تستهوينا الشياطين، كان لزاماً علينا أن نربي أنفسنا على كيفية الغضب أن لا يحتد، وعلى ضبط العواطف أن لا تثور، لأنها وإن ثارت، تُضني وتؤلم وتؤرق، فلا بد من السيطرة على مرحلة ما، قبل أن تصل إلى التي تليها، أي على الغضب قبل أن يصل إلى مرحلة الحدة. ولأن الله أعلم بضعفنا وقلة حيلتنا، فما أوجد سبحانه داء إلا وقد أوجد له الدواء، فإذا لحظنا استفحال قصورنا، فقد وُجب علينا أن نختلي بأنفسنا في لحظةٍ صادقة لا تكون إلا للنفس، وقت صفاءٍ نسترجع فيه أخطاؤنا، ونعالج قصورنا، ونطوّر من ذاتنا، لكي نحيا حياةً أفضل ونعيش أياماً أحسن من ما قبلها، نستذكر في ذلك الزمن اليسير كلام الله ورسوله، ونستحضر كلام الحبيب المصطفى حيث قال (لا تغضب)، وأن نجعل نصب أعيننا كيفية الوصول إلى مرحلة متقدّمة يحبها الله ورسوله، على سلم الحلم والأناة، وقد وطأنا بأقدامنا الغضب والحدة بعدها، نصل إلى سدرة منتهى الأخلاق الحميدة، ونتقرّب إلى الله عز وجل بالوصول إلى أعلى درجات الإيمان، ألا وهي الإحسان.ويكفينا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله - عز وجل - على رُؤوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء).. اللهم إنا نعوذ بك من الغضب، ونسألك الحِلم والأناة والعفو والإحسان..