19 سبتمبر 2025
تسجيلتقول الكاتبة كوليت خوري: "سأموت يوماً ما دون إرادتي، كما وجدت دون إرادتي، فلماذا وقد وجدت، لا أُعطي معنىً لهذا الوجود؟ لماذا لا أدع هذه الفترة من الزمن التي تفرق بين ولادتي وموتي، تشع بالحرارة؟" أ.هـ ذات زوال، قال لي أبي علينا أن لا نخرج من الحياة من أبوابها الخلفيّة، سألته حينها وأنّى يكون ذلك، فبصم بإبهامه على ركبته وقال "ببصمة".. كان لذلك الحوار مستقراً في نفسي إلى حين، فعليّ أن أجد موضع بصمتي، وفي أي مجالٍ تكمن، وبأي شكلٍ أخطها كرسالةٍ للأرض ومن عليها..!؟ ومن ذا الذي سيتلقاها، ومن ذا الذي سيقرؤها..!؟ هذا إن لم تختفِ في بريد الحياة، فكما قال جبران خليل جبران "أعطني أذناً، أعطك صوتاً". آمنتُ بحمل رسالةٍ ما، فأنا أُريد من الفترة التي تفرق بين ولادتي وموتي أن تشع بالحرارة، ثم إنني مُتيقنةً أننا خُلقنا لهدفٍ سامٍ، أن نعبد الله، ومن ثم إعمار الأرض، وكلا الهدفين يحتاجان إلى علم، إذاً العلم هو الطريق إلى المعالي.. لعل كل علمٍ يدخل مدارات فكرنا، يختلط بمبادئنا ومعتقداتنا، فينتج من ذلك الخليط الذهني، فكر جديد، قد يؤدي إلى علم مبتكر، يخرج منا بقالبِ الأدب أو الفن أو العلوم، فنرتقي حينها فكرياً، وننهض بالأمة علماً وأدباً وفناً، فلكل شخصٍ منا طاقة ومعرفة بهما يبتكر ما كان معدوماً، ثم بالتطبيق يُصبح موجوداً، فتقوم حضاراتٍ كان السبب فيها (خاطر)..! إن لزاماً علينا أن نؤمن بحرفةِ كل فردٍ منا، فلا نستهين بالقلم أو الريشة أو حتى أدوات الحرف المختلفة، فعندما هجم التتار مدينة (مرو) أبادوا البلاد والعباد إلا أصحاب الحرف والصناع المهرة، فقد تم إرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك، فقامت عليهم حضارة لم توجد على الخريطة من الأساس، كتاريخ التتار تماماً. إذن فلو كانت رسالتي بقلمي، فإن لكل صاحب أداة رسالة ما، ولو جُمعت الرسائل لحُفظت في بريد النهضة فنهض وطن بأكمله، وقامت حضارة مزدهرة، فيكون لكل فرد منّا بصمة حينها، بها يفتخر ما بقيَ حيا، ويفتخر من بعده أحفاده وذريته، فأيامه لم تكن كالسراج المُطفئ إلى أن فنى، بل كانت سراجاً مُنيراً، أنارت دربه، والتاريخ من بعده.