19 سبتمبر 2025
تسجيلفي إحدى صالات السينما، وفي خضم المغامرة والإثارة، كان أن تطايرت تلك العبارة على مسامعنا، (ماذا لو كنا أسياد أقدارنا)..!؟ أَبت تلك العبارة إلا أن تُحدث في داخلي عاصفة ذهنية، محمّلة بالأسئلة والخيالات والافتراضات، فكنت أتساءل (بالفعل، ماذا لو كنا كذلك)..!؟ فان نكون أسياد أقدارنا، يعني أننا نقدّر على أنفسنا أقداراً تتناسب مع أهوائنا وقناعاتنا، بكل ما يعتريها من قصور بشري، ونقص فطري، مع العلم أن ذلك التقدير الدنيوي هو أبعد ما يكون عن علم الغيب ومعرفة المستقبل، أي أنه تقدير ناقص متخبط أيضاً، لا تترتب عليه أقدار مستقبلية دقيقة، ومن ثم مستقبل سوّي. أن نكون أسياد أقدارنا أي أن تكون أقدارنا وفق أمزجتنا المتقلبة، أي أننا نقدّر للحظة ذاتها التي نعيشها ونشعر بها، وما نؤمن به لحظة الحدث، فقد نَعجب بدافع القصور في شيء فنقدّره علينا، فتترتب عليه أحداث أخرى، ثم وبدافع القصور أيضاً قد لا يُعجبنا التقدير ذاك، فنقدّر خلاف ذلك، فتتدمر الأحداث وهكذا دواليك. أن نكون أسياد أقدارنا، يعني أننا نقدّر على أنفسنا علاقاتنا بالبشر، تماماً كما هم يقّدرون علاقاتهم، فقد نقدّر أن نهوى بشراً، هم قدّروا أن يُبغضونا، أو العكس، ذلك يعني أن ثمة خللا يحدث في العلاقات البشرية، فيستحيل دوامها، ودوام السلام في الكون، وكذلك دوام العقل والعقلانية. وفي ظل كل ذلك، فقد تستهوينا الشياطين، فنقدّر الشر، والباطل، ولأننا لا نُبصر دقيقةً واحدة ضمن المستقبل القريب فإننا نتجاهل أن الموت قد يكون قاب قوسين أو أدنى منا، حينها تتبرأ الشياطين، ويقول إبليس: (إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين). (أن نكون أسيادُ أقدارنا) هو المستحيل المحمود، والجنون إن حدث، هو انعدام السلام، والاختلال الكوني، والاختلاف الهالك، يعني ذلك أننا نعيش كالأنعام بل أضل، فلا سبيل للحياة بعقل، والعيش بعقلانية، فهو كونٌ مداراته الجنون، وأفلاكه الشر، وأبعاده الضلال. (ذلك تقدير العزيز العليم) ربِ لا نبتغي إلهاً إلاّك، ولا أقداراً غير التي قدّرتها بخيرها وشرها، اللهم بك وبنعمتك كنّا قد استيقنا يقيناً غير ظن، ان ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليُصيبنا، ونقرّ بالقدر كله، ونؤمن أتم الإيمان أن الخوض في القدر للوصول إلى سرّه هو الممنوع الذي نهى عنه المصطفى، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى. اللهم لا تقدير إلا تقديرك، ولا تدبير إلا تدبيرك، ولا مشيئة إلا ما أردت وشئت، ربنا واصرف عنا وسوسة الشياطين، ولا تجعل لها على أنفسنا سبيلاً، ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.