19 سبتمبر 2025

تسجيل

حضور ما بين المعرضين

24 فبراير 2012

للتو كان قد انتهى معرض الكتاب، بأجوائه الأدبية العذبة، وفعالياته الثقافية الجميلة، كان كل شيء يدعو الصدور أن تثلج، وللأعين أن تقر، الكتب بشتى أنواعها، الجو العام للمعرض، الوجوه الثقافية المشهورة، حتى توجد كتب لم أكن لأجدها من قبل، التي لها قصة طويلة في رحلة بحث حثيثة، ككتب الروائي الفرنسي (ميشيل زيفاكو )، كل شيء مشرّف وزاه ومختلف إلا الحضور..! الحضور، كان هو خيبة الأمل الوحيدة، للمعرض وللكتب، ولي أيضا، فكل من زار المعرض أبصر أروقته الشبه خالية، وكتبه الحزينة، وأفراده المتبسمون بشيء من الكلل، يسلّون أنفسهم بالأحاديث تارة، وبالقراءةِ تارة أخرى. وانتهى المعرض، بمجموع زيارتي الأربع، بشعور عظيم في التقصير والندم، ونفس لم تطب بعد من اقتناء الكتب، ذلك الكنز الذي هو أعظم ما قد يقتنى ويورّث في الحياة. وما هي إلا مدة وقت قصيرة، حيث ابتدأ معرض آخر ، والقائم حاليا على أرض المعارض، والضد تماما لسابقه..! حقيقة أنا أجهل اسمه، ولكن فيه كل شيء، والذي لا تجد لرجلك موطئ قدم، والذي جمع البشر من كل حدب وصوب، باختصار معرض (زحمة يا دنيا زحمة )..! لعلّي لا أنتقد إقامة مثل تلك المعارض، بل ذلك دليل النجاح الذي تعيشه دولة قطر، ولكنني استغرب الإقبال اللامعقول والتزاحم المزعج فيه، على الرغم من أن معظم المحلات التي مررت بها، لها مكاتب وأفرع في قطر، ثم تباع البضاعة بأسعار مضاعفة فترة افتتاحه، لكن ما سر الازدحام والتدافع والضجيج والأمة التي تشعرك أن الأسواق ستختفي بعد أن يغلق هذا المعرض، ولعلّ خير دليل هو سطرا الانتظار لماكينتي السحب الآلي..! هو شعور مزعج أن تصنع المقارنة ما بين الحضورين، حينها ستشعر بكمية من الخيبة عظيمة تصب في ذهنك، وعشرات الأسئلة تدور في مداره..! أليس الكتاب هو الأبقى..! أليس العلم هو الأنفع..! أليست الثياب ودونها تبلى، في مدة هي أقل من سنة..! أليست الأواني تتكسر، في مدة هي أقل من أشهر..! أليس كل تلك الأشياء لديها عمرا افتراضيا فتنتهي، إلا الكتب، فإن جفّت صحفها، ففائدتها في النفس قد تشرّبت، وفي الخلقِ قد أثّرت، وفي اللسانِ قد تمكنّت..! هل فعلا، هي النخبةِ والنخبة فقط هي التي تقرأ..! والبقية خلقت لتشتري وتلبس وتقتني وتتباهى..! أو هو هوس الشراء فقط، حتى ولو كان بقصد التخزين، وليس الاستخدام، إذا فليخزنوا الكتب، فإن لم تقرأ، قد تأتي أجيالهم تقرأ.. فليشتروا كتبا، ويوّرثونها أحفادهم وأجيالهم، فهي الميراث الحق، والنفع الدائم، أما فيما عدا ذلك، فذلك غير قابل أن يوّرث، بل سيبلى، فيرمى.. اللهم علّمنا بما نفعتنا، وانفعنا بما علّمتنا.