19 سبتمبر 2025

تسجيل

أقرأ

24 فبراير 2012

يقول ديكارت: "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، ولطالما رددت: (أنا أقرأ إذاً أنا موجودة، وكنتُ موجودة، وسأُوجَدُ في المستقبل". إن القراءة هي تاريخ الفكر وحاضره ومستقبله، بها نعيشُ ما مضى، ونتعايش مع ما يحدث، ونعلم ونتعلم عما سيأتي. أن يكون المرءُ قارئاً، فذلك يعني أنك محمول على مركبٍ يسيّرك فوق بحور المعارف، تخرج من بحرٍ لتدخل في آخرٍ وهكذا، وفي مجموعة الأفكار المطروحة في أوراق كتاب، قد تتراءى فكرة لم نعلم عنها من قبل، فنبتدئ في رحلة بحث تشعبت من قراءتنا الأولى. لا أُنكره أمراً، أنني وبعد الانتهاء من قراءة كل كتاب، أحدّث نفسي في ذهول "ما أجهلني لو لم أقرأ ذلك الكتاب! ما أضحل فكري لو لم أقرأ تلك الصفحات، كيف لقراراتي أن تأخذ مجرى خاطئاً، وكيف لأفكاري أن تنحصر في دائرةً ضيقة لو لم تنورها تلك القراءة..!) فلا أجد نفسي إلا وقد تشبثت بالكتب أكثر، وعشقتها بصورةٍ أعمق. هي المهارة التي توّسع آفاق الفكر، وتفتّح مداركه، هي التي تهذّب الأخلاق، وتجعل الحديث عذباً، والمنطق مقنعاً، وتهب مواهب أخرى كالكتابة مثلاً، فالعلاقة بين القراءة والكتابة، علاقة طردية، تزيد كلما زادت. إنني أؤمن بشدة، أن القراءات الالكترونية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا يمكن لها أن تحل محل قراءة الكتب، ففي عالم الانترنت والقراءات ذات الصفحات الالكترونية، لا يوجد هناك أسهل من التعديل، الذي قد يصبح تحريفاً في عالم الحروف والكلمات، أما الكتب، فهي الميراث الكنز الذي لا يقدّر بثمن، وكما قال توفيق الحكيم: ما من شيءٍ أقوى من الميراث، إذا كان للخلود يد فإن الميراث يده التي ينقل بها الكائنات، من زمانٍ إلى زمان). إن اللذة تكمن في أن يقع الكتاب بين اليدين، فتُعانق الأصابع صفحاته، وتقلّبها في فضولٍ ورغبة في الاستزادة، أن يبيت مع الفكر، ويستيقظ معه، فهو الصاحب القديم الذي حكوا لنا عنه مُنذ الأزل، هو الخل الوفي الذي يقع خارج دائرة المستحيلات، بمنأى عن العنقاء والغول. أمتنا هي أمة (اقرأ)، وأول كلمة نزل من كتابها الكريم هي (اقرأ). لذلك، فإن أمتنا تحتاج منا أن نقرأ، أن نتعلم، أن نتحدث بمنطلق المعرفة والثقافة، وأن يكون المرء منا مفوهاً محنكاً يعلم خفايا الأحاديث مُذ الوهلة الأولى لسماعها، وكذلك مجالسنا اليومية، فإن أسماعنا بأشد الحاجة أن تسمع من الحديث أعذبه، ومن العلم أنفعه، وذلك لن يحدث إلا بالانغماس في العلوم والمعارف، عن طريق أعمق البحور، وأجمل الدروب، والانتقال عبر الخيال وعلى متن الحروف والكلمات إلى عالمٍ آخر، قريبا كان أو بعيدا، خياليا أو واقعيا، هي القراءة بالتأكيد، فلننفذ أمر الله لسيد البشر على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام: (أقرأ)..