11 سبتمبر 2025

تسجيل

أحزان هوجاء

24 فبراير 2012

للحزنِ هجومٌ شرس، مُنهكٌ ومهلكٌ في أحيانٍ كثيرة، لعلّ شراسته تكمن لحظة انقضاضه، ومن ثم مُحاربته لكل جميلٍ أمامه، أما الأنكى أنه أخرس وأعمى، ينقض في النفس والجسد، ويهجم بعنف وشدة، فلا يبقي فيهما ولا يذر، إلى أن يستوطن ويبقى، أو أن يُطرد فيشقى.. ??ولأن الحياة، حياة اختبارٍ وابتلاء فلقد وُجب علينا كعقلاءٍ أن نهذّب أحزاننا، ونحتويها، على أساسٍ ديني وعلمي وخُلقي، لكي لا نتحوّل فريسة لمشاعرٍ لا تتحدث، ولا تسمع ولا حتى تُلمس.. ??و لعلّي لم أجد مهذّباً للأحزان، وبلسماً للآلام، كما وجدت آيات القرآن الحكيم، فالقارئ للمُصحف الشريف، يجد في ثناياه ما هو شافٍ لهمّه، ماحٍ لغمّه، وخالق بفضل الله همّة عظيمة، تتكسر عليها المصائب، كما يتكسر البَردِ على الصخور، أما الصلاة، فهي الشعور بالأمن والأمان، بأننا ما زلنا على تواصل مع خالقنا، نبث له حُزننا، ونشكوه وندعوه ونبتهل إليه ونتوكل عليه، قبل انقطاع الاتصال، وتبدل الأحوال، حيث يكفينا قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة ).. ??وبعد القرآن والصلاة، فالقراءة هي العلاج الفعّال لتهذيب الحُزن، وتعليم النفس الصبر والسلوان، فالقراءة سلوى للنفوس، وهروبٍ من واقع إلى واقعٍ أجمل، ومن حياةٍ قد شابها الهم، إلى حياةٍ مُنيرة، أضاء شوارعها العلم والمعرفة، وكل ما يفتّح المدارك، وينوّر الأذهان.. ??فالقراءة لا تقتصر إفادتها على لحظة الحزن فحسب، ولكن هي للحياة بأكملها، وللعمر كلّه، ولعلّ لحظة الحزن والهم والألم، هي لحظة تحوّل من السيئ إلى الجيد، ومن الأسوأ إلى الأفضل، فلحظة اللجوء للكتاب، هي لحظات دروسٍ لا ينبغي لها أن تُنسى، من خلالها تتوسّع آفاق فكرنا، وتقوى لغتنا، وتتفوّه ألسنتنا، وتتضخم ثقافتنا، ومن ثم نكوّن قد توسدنا سحاب العلوم والمعرفة، وطبقنا أول حروف نزلت من القرآن، على سيدنا محمد — صلى الله عليه وسلم —: (اقرأ ).. ??وقد أنصح بكتابٍ عظيم، جرّبت أن قرأته، فوجدتني أقرأه في كل مرة تضيّق عليّ الحياة طُرقاتها، ولعلّ تصنيفه لم يقتصر على أن يكون ضمن الكتب الدينية فحسب، بل إنني أصنفه أيضاً من ضمن كتب (تطوير الذات)، لأنني بإذن الله استطعت به أن أطوّر من ذاتي، وأن أًسيطر على غمّي، وأُهذّب حُزني وأن أرتقي بذاتي، إلى أن أكون عضوة فعّالة في المجتمع، أستطيع أن أنتج وأكتب، وأن أعيش الحياة مُحبةً لأفراحها، ومُتقبلةً لأتراحها، هو كتاب (لا تحزن) للشيخ عايض القرني، حيث مازلت أحفظ بعض الأسطر التي سطرها في كتابه، ولعلّ أشد ما رُسخ في ذهني، قوله: (من المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج، الأيام دول، والدهر قلّب، والليالي حبالى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يُحدث بعد ذلك أمراً، وإن مع العُسر يُسرا، إن مع العُسر يُسرا )..