12 أكتوبر 2025
تسجيلالصبر والجلد وقوة التحمل، حب المغامرة والانفتاح على الآخر، صعوبة المراس والتشبث بالرأي والعناد، الميل للمرح واللهو، سهولة المعشر وليونة الطبع.كلها صفات نفسية توسم شخصية صاحبها، يعرف بها ويتعامل معه الآخرون بناء عليها، لكن الأهم من ذلك ان شعوباً ومجموعات بشرية تنتمي لنفس العرق أو المنطقة الجغرافية تتصف بنفس الصفات الشخصية والسيكلوجية، حتى اشتهر سكان كل منطقة من مناطق العالم بصفات معينة تعارف الناس فيما بينهم على اتصافهم بها.فحب أهل البحر للمغامرة وانفتاحهم على الآخرين وقبولهم للغريب بين ظهرانيهم، وجلادة البدو وصبرهم وقدرتهم على التحمل مع التمتع بذكاء متقد وفراسة نادرة، والهدوء الذي يتصف به الفلاحون وأهل الريف والصبر والحرص على التدبير وعلى اتمام الأمر على خير وجه، قوة سكان الجبال البدنية وعنادهم وتشبثهم بآرائهم واعتدادهم بأنفسهم، كلها صفات انسانية مميزة اتسمت واشتهرت بها مجموعات كبيرة من البشر.وقد تحدث ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عن علاقة الانسان ببيئته وأثر المناخ في طبائع الشعوب وتأثير الهواء على الوان البشر وأبدانهم، فذكر ابن خلدون أن للبيئة الطبيعية الأثر الأول في تكوين الصفات النفسية للشعوب واكسابها طبائعها وخصائصها، فالأمم تختلف في الوانها ونشاطها وشجاعتها وكثرة عددها أو قلتها، وفي ما فطرت عليه من الطبائع باختلاف مساكنها من وجه الأرض بين جبلٍ وسهلٍ، أو في منطقة باردة أو حارة أو معتدلة، أوفي بقعة خصبة أو قاحلة.وضرب على ذلك أمثالاً شتى، حيث أشار في وصفه الى تأثير حرارة الجو على السكان فوصف سكان المناطق الحارة بالخفة وكثرة الطرب والسبب في ذلك حرارة الجو وارتفاع الرطوبة التي تجعلهم أكثر ميلاً للفرح والسرور على عكس سكان المناطق الباردة.وتوسع ابن خلدون في الحديث عن الاقاليم الجغرافية وتأثيرها في حياة الانسان حيث قسم العالم الى سبعة أقاليم مناخية، تتميز الأقاليم من الثالث والرابع والخامس بالاعتدال الذي يميز طبائع سكانها والوانهم كذلك.. اما الأقاليم غير المعتدلة التي تقع في الاول والثاني والسادس والسابع فسكانها يعدهم ابن خلدون متوحشين وغير مستأنسين. ويعتبر ابن خلدون البدو الذين يطلق عليهم الفاقدين للحبوب والأدم من أهل القفار أحسن حالاً في جسومهم وأخلاقهم من أهل التلول المنغمسين في العيش حيث يصف أبدانهم بأنها أنقى وأشكالهم بانها أتم وأحسن وأخلاقهم أبعد عن الانحراف وأذهانهم أثقب في المعارف والادراكات. كما انه تحدث عن تأثير الغذاء على شخصية الانسان وصحته فاعتبر أن أهل المدن والأمصار لكثرة ما يتناولون من لحوم تغلب على أطباعهم القساوة والغفلة، بينما اعتبر ان تناول البقول أصح للبدن وأنفع للعقل.ولم يكن ابن خلدون الوحيد الذي بحث في تأثير المناخ والتضاريس في شخصية الانسان والتكوين البدني له فقد تناول قبله الفيلسوف الاغريقي الكبير أرسطو في كتابه عن السياسة الفرق بين سكان المناطق الباردة في أوروبا وسكان آسيا.فسكان اوروبا كما وصفهم أرسطو يتميزون بالشجاعة التي كانت أساس حريتهم لكنهم في الوقت نفسه يفتقرون الى المهارة في الادارة والتنظيم وبالتالي يفتقدون امكانية السيطرة او الامساك بزمام الامور.. اما سكان آسيا فلديهم الفكر والمهارة الفنية لكنهم يفتقرون الى الجرأة مما جعلهم محكومين بغيرهم.. لكنه يعتبر قومه الاغريق أمة وسطاً بين آسيا وأوروبا مما جعلهم يجمعون بين مميزات المجموعتين.أما هيبوقراط والملقب بأبي الطب فدون آراءه في كتابه (الجو والماء والأقاليم)، حيث وصف سكان الجبال المعرضين للأمطار والرياح بالشجاعة وطول القامة والطباع الحميدة.