17 سبتمبر 2025
تسجيلمن أفضل ما يتميز به الهدي السماوي أن منهجه منهج عبادة ولكن العبادة تحتاج إلى توضيح. فهي ليست قاصرة على مناسكالعبادات المعروفة من صلاة وصيام وزكاة وإنما هي معنى أعمق من ذلك. فإنها العبودية لله وحده. والتلقي من الله وحده في أمر الدنيا والآخرة كله ثم هي الصلة الدائمة بالله وهذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية. تتفرع منه جميع التفريعات وتعود في النهاية كلها إليه. فالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر الشعائر التعبدية. إن هي إلا مفاتيح للعبادة أو محطات يقف عندها السائرون في الطريق يتزودون بالزاد ولكن الطريق كله عبادة وكل ما يقع فيه من نسك أو عمل أو فكر أو شعور فهو كذلك عبادة ما دامت وجهته إلى الله وما دام قد شهد حقا. أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأقام حياته كلها وواقعه كله على هذا الأساس. والعبادة بهذا المعنى تشمل مجالات الحياة كلها. فإنها لا تقتصر على اللحظات القصيرة التي تشغلها مناسك التعبد. وهذا هو المقصود من الآية الكريمة في قول الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وإلا فما قيمة لحظات عابرة في صفحة النفس وفي صفحة الكون لا تكاد تترك لها أثرا وتضيع فيالفضاء. فلا يستفاد منها الإنسان في حياته. وإنما قيمتها أن تكون منهج حياة يشمل كل الحياة. قيمتها في أن تكون خطة سلوك وخطة عمل وخطة فكر وخطة شعور. قائمة كلها على منهج واضح يتبين فيه في كل لحظة ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون. الاتحاد يقوي الضعفاء، ويزيد الأقوياء قوة على قوتهم، فهو وسيلة العزة لهذه الأمة التي يجب أن تعود لعزتها وتستعيد هيبتها بين الأمم. فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها، وآلاف اللبنات المتفرقة والمتناثرة ضعيفة بتناثرها وإن بلغت الملايين، ولكنها في الجدار قوة لا يسهل تحطيمها لأنها باتحادها مع اللبنات الأخرى في تماسك منظم قوي ومتين، أصبحت قوة لا يستهان بها، وهذا ما أشار إليه الهدي النبوي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه) متفق عليه. لذلك يجب أن يكون هدف أئمة الإسلام والقائمين على شؤون هذه الأمة الدعوة إلى الاتحاد والألفة واجتماع القلوب والتئام لصفوف، والبعد عن الاختلاف والفرقة، وكل ما يمزق الجماعة أو يفرق الكلمة، من العداوة الظاهرة، أو البغضاء الباطنة وكل ما يؤدي إلى فساد ذات البين، مما يكون سببا في ضعف الأمة ووهن دينها ودنياها. فلا يوجد دين على وجه الأرض دعا إلى الأخوة التي تتجسد فيها الاتحاد والتضامن والتساند والتآلف والتعاون والتكاتف، وحذر من التفرق والاختلاف والتعادي، مثل الإسلام في هديه وشرائعه وقرآنه وسننه. فالاتحاد عصمة من الهلكة، فالفرد وحده يمكن أن يضيع، ويمكن أن يسقط وتفترسه شياطين الإنس والجن، ولكنه في الجماعة محمي بها كالشاة في وسط القطيع، لا يجترئ الذئب أن يهجم عليها فهي محمية بالقطيع كله، إنما يلتهمها الذئب حين تشرد عن جماعتها وتنفرد بنفسها، فيجد فيها ضالته، ويعمل فيها أنيابه ويأكلها فريسة سهلة.إننا نناشد إخواننا في أرجاء المعمورة أن يستيقظوا لما يتعرض له ديننا الحنيف من هجمات شرسة من هنا وهناك بالإساءة إلى الدين ومحاولة تمزيق صفوف المسلمين أقول لأبناء هذه الأمة هل نسيتم قضيتكم الأساسية وسرتم وراء أهوائكم الشخصية، وإن أمتنا الإسلامية تختلف عن سائر الأمم، فإن أوطاننا هي كل بلاد المسلمين. وأينما ذكر اسم الله في بلد كان هذا البلد وطنا لكل المسلمين. وأفضل من هذا كله أن تجتمع الأمة على عقيدة. وعلى مبدأ أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام الذي يجب أن نلتف حوله ونتمسك به، يقول الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران: 103 . فكلما حدثت جفوة. أو حصل هجر عدنا إلى الدين. وتذكرنا أننا نصلي الصلوات الخمس. وأننا نتجه إلى قبلة واحدة. ونتبع رسولا واحدا ونعبد ربا واحدا. ومعنا كتاب واحد وسنة واحدة فلله الحمد. وإن منهج الإسلام في تربية النفوس قائم على التحابب والتقارب والتآلف. ومن هنا فلا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق. وكيف يكون في حياته شيء من هذه الخلائق الوضيعة. وصوت النبوة يسكب في سمعه أروع منهج للأخلاق عرفته البشرية منذ أن كان إنسانا على ظهر الأرض بقوله: (لا تقاطعوا. ولا تدابروا ولا تباغضوا. ولا تحاسدوا. وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله) رواه مسلم.