16 سبتمبر 2025
تسجيلأتجول بفكري في خارطة الأمة مصبوغة بالألوان الباهتة فاقع صفار أوراق شجرها تطل على الصحاري وسواحلها لم تعد متوهجة بالخضرة وحقولها تيبست وأمطارها توقفت عن الانتشار مقبوض قلبي على هذه الأمة رغم هذا الأمل الطالع من تونس التي بدأت تستعيد لونها الأخضر فأعادت الاعتبار لفعل الثورة الذي كاد يندثر من فرط تراكم الوجع والقهر والتبعية والسقوط في معادلة تقوم على امتلاك الثروة والسلطة معا لنفر محدود بينما تتساقط الأغلبية في دوامات الجوع والفاقة والمرض والجهل والأمية أتطلع جنوبا وشمالا شرقا وغربا فلا أعثر إلا على بقايا أمة تهاوت إلى حضيض الحروب والانقسامات والاحتلالات واغتصاب حقوقها ومقدراتها وصراعات أهليها مذهبيا وجهويا وطائفيا يأوي الأمة من ذلك أفتح الكتب والدفاتر لا أبصر أمامي إلا صفحات يعلوها الصدأ ودم الأشقاء المسفوح والتاريخ المهدر والجغرافيا المستباحة والكرامة المهدرة والسيادة المنتهكة غابت عنها ألوان قوس قزح وغسق الليل المدهش وندى الفجر الشهي باتت سطورها وكلماتها فاقدة المعنى لا شعر لا قصائد مكتوبة في الأوراق لم تعد الخيول مسرجة فلا فرسان ولا ساحات لا سيوف مشرعة ولا رماح معدة ولا كر أو فر ذهبت هذه المعاني أدراج الرياح سافرت بلا عودة لا تقل لي أنني موغل في الشعور بالعتمة أو متجاوز للحد في توصيف الواقع أو مفرط في تشاؤمي ربما لكن إن وجهت بصرك إلى الجنوب ستقرأ لافتة الانفصال فهاهو السودان الوطن الممتد عبر مئات السنين حاملا باقة من الألوان والأعراق والقبائل والثقافات مقدم على التفكك في شطره الجنوبي والذي قد يتمدد إلى أجزاء أخرى تعبئ وتهيئ ضمن مخطط أسهمنا فيه دون أن نعلم أو بعلم البعض منا واستسلمنا لمن أعدوه وصرنا شركاء في معادلة التقسيم والتفتيت وفي الجنوب أيضا الصومال يتمزق يئن ويصرخ من تراكم الأوجاع دون أن تمتد إليه يد عربية تسانده تحول دون استمراره في السقوط صريعا لأوهام وعبث الماجنين باسم الإسلام يذبحون أشقاءهم ويصلبون أبناءهم والوطن تشطر والثروة تهدر والقيم تداس والخصوم مبتهجون فهاهو الصومال يقدم لهم مذبوحا دون أن يدفعوا الثمن سهلا يسيرا ولقمة سائغة وإن أطلقت لبصرك العنان في الشمال فإن فلسطين ما زالت محتلة وغاصب أرضها وقاتل بنيها ومشرد أطفالها ما زال يشرع سيفه المسموم يصب نيران احتلاله لتطال البشر والشجر وبيارات البرتقال ومزارع الزيتون وقلوب الثكالى من أمهات ما زلن ينتظرن عودة أولادهن القابعين في السجون والمعتقلات بعد أن شيعن آخرين إلى مثواهم الأخير أحياء عند ربهم يرزقون ورغم ذلك فإن ثمة من يتحدث عن بقايا سلام مع العدو وهو يركض باتجاه آخر ويصدقون نيتانياهو وباراك وبيريز بل إن البعض منا يصافحهم ويعانقهم ويدعوهم إلى موائد طعامه الشهي ويظهر معهم معتزا أو متفاخرا على شاشات التلفاز وفي فلسطين كارثة مستعصية على التجاوز تكمن في استمرار حالة الانشطار والتشطير بين فتح وحماس وحديث عن صراع على سلطة ليست قائمة في الواقع وإنما هي سلطة وهمية أو متوهمة فكلاهما خاضع لقبضة الاحتلال وذلك نوع من الترف ليس مقبولا بل محرما وفق محددات الدين ومنظومات القيم ومواثيق الأخلاق وليس بعيدا عن فلسطين.. لبنان المقبل على وجع لن يتوقف عن النزف إن لم يتنبه فرقاؤه وتستيقظ نخبه وتستعيد طوائفه سيرتها القديمة في التوافق والتعايش فثمة من يخطط لتأجيج النار الخامدة الآن خاصة بعد ثورة تونس التي شكلت ضربة لقوى الهيمنة ومن ثم يتعين الرد عليها عبر بقعة أخرى ولبنان بتمزقاته الطائفية وحالة الاستقطاب الحادة فيه يمتلك قابلية فريدة للتفاعل مع كل مخطط لحرب أو لتمزيق وهذه المرة يسعون إلى تفتيته إلى دويلات وكانتونات تجمع كل منها طائفة أو مذهبا أو فرقا.. لبنان هذا الوطن الجميل بشرا وطقسا وجغرافيا بإطلالته البهية على المتوسط وتراكمه الحضاري المدهش يتعرض إلى محنة سببها هذا التهافت على امتلاك كل طرف أو مجموعة منه على امتلاك مقومات القوة وحده ونفى الآخر بل ومحوه وإدخاله دائرة العدم وثمة من يقوض البنيان الوطني من الخارج والعدو يرسم ويوجه وينفذ عبر طابوره الخامس المنتشر في الأنحاء دون أن يبصره أحد والأشقاء يسعون إلى لملمة الجراح والفرقاء يتهافتون على الصراع والتمسك بشروط لا تعلي من قيمة الوطن وإن كانت تعلي من قيمة الزعيم أو الطائفة أو المذهب لا تنسى أن تعرج إلى الشرق حيث العراق الذي ما زالت جروحه من الغزو والاحتلال الأمريكي والغربي - وللأسف المدعوم لوجستيا من أطراف عربية - مفتوحة وبقايا دم بنيه مازالت في الطرقات لم تجف بعد ولغة الانقسام ما زالت تفرض سطوتها والمذهبية المقيتة ما زالت تغنى على بعض الشفاه وتبدت في الآونة الأخيرة ملامح التفتيت على نحو أشد وضوحا بعد أن كانت محجوبة على استحياء وفي الوسط تعرضت المحروسة – مصر- لمحاولة يائسة لتمزيق أواصر وحدتها الوطنية وضرب نسيجها الواحد عبر تفجير كنيسة الإسكندرية ضمن سياق إعادة رسم خارطة المنطقة على أسس طائفية ودينية ومذهبية ولكن شعبها انتفض رغم حالة الغضب عند هذا النفر أو ذاك منه فسقطت المؤامرة لكن من يرسم ويوجه وينفذ لن يصيبه اليأس سيظل إن لم ينتبه أهل المحروسة يطلق دفعات رصاصاته لإدخالها ضمن دائرة التفتيت وفي الغرب مازال الوجع القديم الناتج عن الصراع بين المغرب والبوليساريو على الصحراء الغربية قائما دون أن يبدو في الأفق ما ينبئ عن إمكانية تجاوزه وحله على أسس تحافظ على وحدة المغرب وتعلي من خصوصية الإقليم ولكن الغرب قدم لنا في الرابع عشر من يناير الجاري ثورة شعب تونس لترسم تجليات زمن عربي جديد تفك فيه الجماهير ضفائر الوجع والكبت والقهر والجوع وتغني للحرية وللقمة خبز نظيفة السطر الأخير: ودياني غارقة في رحم الصمت منكفئا صرت هو وجهي أم لون حلي مصبوغ أقبض على جمري مدفوعا لكون أعلى أقرأ فاتحة كتاب العشق أسكن خريف الأشياء هو فجر أم زخات مطر زائف صدري مسكون بالثلج أبوء برائحة الخبز المسروق جوع هو أم كيد طير مذبوح الشمس مسافرة العبارة تضيق الأفق يخاصم الغيم أتمدد في الغياب