18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); استهداف الأردن من قبل التنظيمات الإرهابية بوصفه هدفاّ مشروعا لم يفاجئ إلا القليل، فالمراقبون يعرفون جيداً أن تنظيم داعش الذي انحسرت آفاقه (ويعاني من هزائم متلاحقة في ساحات المعارك كلها) يبحث عن ساحة أخرى يفرد بها عضلاته. في الأسبوع الماضي حاول التنظيم زعزعة استقرار الأردن إذ اشتبك مع قوات الأمن والدرك وكذلك مع المواطنين في مدينة الكرك، وعلى الرغم من نجاح قوات الأمن في قتل كل الإرهابيين والقبض على أحدهم يتعين على الساسة والمراقبين التبصر في الهجمات الإرهابية الأخيرة ومحاولة فهمها في سياقها الأردني.وحتى لا نكون كمن يدسون رؤوسهم في الرمال علينا أن نستخلص الدروس والعبر من هجمات الكرك حتى نكون أكثر فعالية في الحرب على الإرهاب، وبالتالي يتعين علينا أن نُفرق ما بين المعالجة الأمنية المطلوبة من جانب والتصدي لظروف التطرف التي بدأنا نلمس آثارها ليس فقط في الأردن وإنما في الإقليم يشكل عام من جانب آخر. البعض يشعر بنشوة إلحاق هزيمة ميدانية بالإرهابيين دون أن يرافق ذلك مراجعات نقدية للتوقف على الأسباب التي سمحت بالإرهاب ذي النشأة المحلية (homegrown terrorism) بالظهور إلى السطح، ولهذا السبب فإن امكانية تكرار هجمات الكرك واردة.ملف الإرهاب ليس ملفاً أمنياً فقط وهنا من المناسب جداً التفريق بين التطرف والإرهاب، وهنا نشير إلى ثلاث ملاحظات رئيسية. أولا، هناك حاجة ماسة للاستعداد لمواجهة فكرية مع هذه التنظيمات الكارهة للحياة وذلك لتحصين المجتمع من جاذبية بعض أفكار التنظيمات الإرهابية التي عادة ما تقع فئة الشباب ضحيةً لها. ويستلزم ذلك إجراء مراجعات نقدية للمناهج المدرسية وهذا الأمر مختلف تماما عن مساعي التعبئة والاستنفار ونبذ الرأي الآخر. ثانيا، على صنّاع القرار بالأردن النزول من أبراجهم العاجية والاقتراب من الشارع لتفهم وتلمس احتياجاته الأساسية من صحة وتعليم ووظائف، وعليهم أيضا اجتثاث الفساد بكل أشكاله، فالظروف الاجتماعية والاقتصادية الملحة تسمح بخلق مناخات التطرف التي بدورها تنتج الإرهاب. وعليه فإنه ينبغي أن تكون الحكومات تمثيلية ليكون أعضاؤها قادرين على التصدي للتحديات التي تواجه المناطق التي أصبحت تشكل حواضن للتطرف. وثالثا، توثيق العلاقة بين الأمن والمواطن بحيث يمارس المواطن العادي دور "الخفير" وما يعنيه ذلك من تواصل مع المراكز الأمنية لتقديم البلاغات والمعلومات حتى يمكن استباق أي عملية إرهابية مستقبلية.وحتى تتمكن الدولة من تجذير مفهوم المواطن الخفير ليكون رديفا مسانداً للمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار، فإن على الدولة أن تعتني به جيدا من حيث تحسين الظروف الاقتصادية المناسبة وتمكينه سياسيا، وهذا يستلزم انقلابا أبيض على السياسات التي أفضت إلى نوع من غربة المواطن في وطنه وإلى انفصال النخب الحاكمة عن الواقع. الأردنيون أثبتوا على مدار الأسبوع الماضي بأنهم مستعدون لتقديم الغالي والنفيس لحفظ وصيانة أمن الوطن، لكن علينا ألا نغض الطرف عن حقيقة أن الإرهابيين هم كلهم أردنيون يعيشون في الأردن وينتمون إلى عائلات وعشائر عريقة! وربما تُصعب هذه الحقيقة من مواجهة الإرهابين إذ أن العدو هذه المرة لم يتسلل من الحدود بل من عيوب ومثالب السياسات الرسمية بشكل عام.طبعا نتمنى أن تكون هجمات مدينة الكرك هي الأخيرة، غير أننا متوجسون من إمكانية تكرار ما حدث إن اكتفينا فقط بالمعالجة الأمنية وتناسينا ضرورة وجود المواطن الخفير (وهو تعبير تحدث عنه الكاتب عريب الرنتاوي) وما يستلزمه ذلك من تغييرات جذرية في النخب الحاكمة والسياسيات معا.