13 سبتمبر 2025
تسجيلفي المعارك العراقية الداخلية المتصاعدة والمستمرة فصولا دموية مرعبة تدور مآسٍ إنسانية مخيفة تعبر عن التدهور المستمر لأوضاع بلد ينتج المأساة ويعيد صياغة الكوارث، ويؤسس لمآسٍ مستقبلية كبرى في طريق شاق ومعقد لا يؤدي إلا للفشل الذريع، والاضمحلال المريع، فبعد عمليات الكر والفر العسكرية في معارك غرب العراق بين السلطة والجماعات المسلحة تبرز معاناة المدنيين الذين يعيشون ظروفا حياتية هي الأصعب والأشد مأساوية في تاريخ المنطقة، فالعمليات العسكرية السابقة في تكريت وهيت وبيجي وصلاح الدين وحزام بغداد وديالى، قد خلفت وراءها أعدادا هائلة من المشردين والنازحين من العوائل العراقية التي عانت من جحيم قيظ الصيف وزمهرير برد الشتاء، حتى وصل العدد لملايين المهجرين والمشردين داخليا، وتفاقمت المأساة مع استمرار القيود الأمنية على حركة تدفق النازحين من خلال منعهم من دخول العاصمة بغداد وتكدسهم على معابرها كمعبر بزيبز الذي شهد معاناة إنسانية مروعة من موت للشيوخ والعجائز وتفاقم لأوضاع المرضى الصحية، ومن تدهور عام في الوضعية الإنسانية وبما أنتج حالات من الشد والجذب وتبادل الاتهامات بين فرقاء العملية السياسية مع تصعيد فظ لأوضاع الصراع الطائفي المؤسف الذي هشم أسس الوحدة الوطنية العراقية. ومع ازدياد التدخل الدولي في معالجة مشاكل المنطقة، وبرنامج المساعدات العسكرية الأمريكية التي تهدف لإعادة سيطرة قوات الحكومة المركزية على المناطق الخارجة عن سلطتها في غرب العراق وشماله تأتي معاناة جماهير الأنبار والرمادي لتشكل وضعا غير مسبوق في معاناة الإنسان العراقي الذي هشمته الحروب المتواصلة وأحوال الصراع الطائفي المتقلبة.لقد وجه الجيش العراقي إنذارا زمنيا محددا لأهل الرمادي يطالبهم فيه بالرحيل عنها وإفراغها من سكانها بغرض استعادة السيطرة عليها من قبضة تنظيم الدولة. وكما هو معلوم فإن تفريغ مدينة كاملة من سكانها ليس بالأمر اليسير في ظل انعدام أي بدائل حقيقية أو توفير أي خدمات يمكنها من استيعاب تدفق مئات الآلاف من البشر في زمن محدد وضمن رقعة جغرافية محددة وفي ظل ظروف الشتاء الصحراوية الصعبة. ثم إن أهل الرمادي هم اليوم بمثابة رهائن وهم بين المطرقة والسندان قولا وفعلا، فالجماعات المسلحة المسيطرة على المدينة لا تسمح أصلا بمغادرة سكانها فتحولوا في النهاية لدروع بشرية في معركة صحراوية مفتوحة تهدد بإلحاق أكبر قدر من الدمار بالبنية السكانية، وبخسائر بشرية مروعة الله وحده يعلم حجمها وطبيعتها، فيما إذا أصرت الحكومة على موقفها بتفريغ المدينة من سكانها وهو الأمر صعب التحقيق في ظل الظروف الراهنة.العراق مقبل دون شك على كوارث إنسانية يشيب لهولها الولدان وتتطلب معالجات ومقاربات وحلولا صعبة من أجل إدارة أزمة هي الأعقد والأشد حساسية في تاريخ المنطقة.المأساة تكمن في كون السلطات لم تحل بعد مشاكل المهجرين من المدن العراقية الأخرى التي شهدت عمليات الكر والفر خلال الصيف الماضي، إذ مازالوا في خيامهم ومن عاد منهم خضع لاستجواب وتحقيق، كما أن اختطاف المئات من شباب الأنبار على يد جماعات مسلحة غير منضبطة قد رسم للمشهد الإنساني أبعادا قاتمة للغاية سيجعل من القتال في الرمادي مهولا ومدمرا، نعتقد أن معالجة الموقف المتدهور تتطلب تأنيا وصبرا وقدرة كبيرة على إدارة الأزمة عبر سياسة انفتاح وشفافية تبدأ بتهدئة الخواطر وحل إشكاليات الوضع الماضي بتؤدة وصبر، والمباشرة على الأرض بتوفير الجهود والإمكانات لاستيعاب المتضررين، وخلق أجواء من الثقة وفتح المعابر ومعالجة الحالات الإنسانية الملحة بروح وطنية بعيدا عن الحساسيات والملفات الطائفية السقيمة... الأنبار والرمادي تحديدا مقبلة على كارثة إنسانية مروعة ما لم يتم تحكيم العقل والمنطق وتغليب روح المواطنة قبل أي اعتبارات أخرى... الكرة الآن في ملعب السلطة التي باستطاعتها منع الاحتقان والسيطرة على الفوضى وحقن الدماء العبيطة لشعب نزف أكثر مما يحتمل.. ارحموا شعب العراق.