11 سبتمبر 2025

تسجيل

القضية المركزية غائبة أو مغيبة

23 ديسمبر 2013

هل يمكن فهم طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن - عقد اجتماع استثنائي لبحث آخر تطورات المفاوضات مع إسرائيل نوعا من مغازلة الذائقة السياسية العربية التي لم تعد تمنح الأولوية لقضية فلسطين، خاصة بعد انشغال الدول الكبرى بما فيها مصر بثوراتها أو قل بالأحرى باضطراباتها الناجمة عما يسمى بثورات الربيع العربي والتي أفضت إلى تغييرات جذرية في بنية النظم السياسية بالدول التي انبثقت فيها، لكنها لم تحقق بعد أهداف وأشواق الشعوب التي ثارت وتحركت من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الإنسانية؟ ربما قصد أبو مازن ذلك أو لم يقصده، وأيا كان الهدف الذي رمى إليه، فإن القضية الفلسطينية باتت غائبة أو مغيبة من الأجندة العربية على مدى السنوات الثلاث المنصرمة وهو ما جعل الطرف الفلسطيني وحيدا في إدارة معاركه مع سلطة الاحتلال الصهيوني أو في تعاطيه مع الضغوط الأمريكية التي تحاول أن تدفعه دفعا للقبول بمسارات تحقق مصالح الكيان أولا وتخصم من رصيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وثمة تجليات لذلك عديدة تمكن الإشارة إليها على النحو التالي: أولا: الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية يخوض المفاوضات مع الكيان المتمترس خلف تراث تلمودي ومقولات عنصرية وتمييزية بحسبانه شعب الله المختار، وبالتالي فمن حقه أن يفعل ما يشاء، صحيح هناك اللجنة العربية لمبادرة السلام التي تشكل الإطار الذي توافق عليه العرب لتقديم الدعم والإسناد للمفاوض الفلسطيني والسؤال المشروع هنا هو: ما الذي قدمته هذه اللجنة عمليا خاصة في مواجهة موجة من الضغوط التي يمارسها المفاوض الصهيوني الذي يراهن كثيرا على عنصر الوقت باعتباره هدفا إستراتيجيا وفق تعبير الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية يسعى إلى تحقيقه بغض النظر عن مطالب الطرف الفلسطيني. لقد طرح هذا السؤال على الدكتور العربي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في أعقاب انتهاء الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة مساء أمس الأول فعبر عن قناعته بأن هذه اللجنة هي التي دفعت الإدارة الأمريكية تحديدا وزير الخارجية جون كيري للتحرك باتجاه جمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للدخول في جولة مفاوضات سلام جديدة عبر سقف زمني ينتهي بعد تسعة أشهر فقط ثم عقدت ثلاث اجتماعات بعد ذلك لتعزيز مسار المفاوضات، بيد أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه بينما الجانب العربي - عبر لجنته التي لا يقلل المرء من أهميتها – يقدم الطروحات المبدئية فإن الجانب الصهيوني يتمدد في الأرض استيطانا ومشروعات تنموية وأمنية ويرفض كل ما يمكن وصفه بالثوابت الوطنية الفلسطينية التي لا يرى فيها أي أهمية والتي تكمن فقط في المحافظة على وجوده حتى ولو كان خصما من رصيد الوجود الفلسطيني الأصيل. ثانيا: ثمة مخطط أمني أمريكي - أو حسب تعبير الدكتور نبيل العربي أفكار أمريكية، فهو طلب مني عندما سألته بشأن هذا المخطط إسقاطه من السؤال لأنه يوحي له بأن ثمة مؤامرة في المسألة وهي غير قائمة في حقيقة الأمر - تنزع إلى بقاء السيطرة الإسرائيلية على المواقع الإستراتيجية وعلى الحدود في الضفة الغربية لمدة عشر سنوات وتتم في نهاية المدة إعادة تقييم الوضع، وهو ما يعني، حسبما قال لي السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة، بقاء الاحتلال لسنوات طويلة وهو ما يتعارض مع استقلال وسيادة دولة فلسطين المرتقبة وكأنه لم يحدث شيء، فما يقدمه الكيان باليد اليمنى يخطفه باليد اليسرى. ثالثا: لقد أقرت القمم العربية الأخيرة خاصة قمتي بغداد والدوحة العام الفائت والعام الحالي ما أطلق عليه شبكة أمان عربية لتقديم البديل للسلطة الفلسطينية لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية التي تستخدم سلاح المعونات والمنح لتمرير سياسات معينة وفرض تنازلات على السلطة بما يعادل 100 مليون دولار شهريا وطبقا لمعلوماتي فإن عددا محدودا من الدول العربية التي دفعت نصيبها من المبلغ لكن الأكثرية تمنعت حتى الآن وهو أمر يشعر الشعب الفلسطيني بأنه بمفرده في مواجهة الحرمان والجوع والصقيع – خاصة الشتاء الحالي. رابعا: القدس وما أدراك ما القدس ومسجدها الأقصى وكلاهما يتعرض لمخطط تهويد واضح الملامح ومحدد الخطوات ولكن العرب قلما يتحركون في هذا الصدد رغم وجود هيئات ومؤسسات مالية وسياسية مهمتها حماية عروبة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وتتشارك الأمة الإسلامية مع الأمة العربية في هذا الغياب عن فلسطين والمتابع لسلسلة الاقتحامات التي يقوم بها قطعان المستوطنين الصهاينة للأقصى وللحفريات المتواصلة منذ سنوات بحثا عن هيكل مزعوم تحت أولى القبلتين تصيبه الدهشة، لأن ليس ثمة تحرك حقيقي وعملي إلا ما ندر من هذه الدولة أو من تلك المنظمة، بينما في المقابل يتدفق رجال الأعمال الأمريكيون المؤيدون للمشروع الصهيوني وتهويد القدس لدفع المليارات لشراء العقارات القديمة والهيمنة على المدينة ومقدساتها، إن القدس تصرخ ولكن القلوب تحجرت والصدور سدت أبوابها للاستماع. خامسا: لقد تعرض قطاع غزة في الآونة الأخيرة لموجة صقيع قاسية وهبوط أمطار غير مسبوق في غزارته، فضلا عن مكابدات سكانه المستمرة من جراء استمرار الحصار الإسرائيلي وغياب الدواء والطعام والمسكن الملائم للأغلبية، خاصة بعد عدوانيين للكيان في 2008 ثم في 2010 وللأسف فإن التحرك العربي لتقديم العون والمساعدة محدود للغاية تقوم به بلدان قليلة من بينها قطر التي طرحت مشروعا سكنيا متكاملا، فضلا عن تزويد القطاع بقدر من احتياجاته من الوقود ولكن ذلك لا يكفي أبدا. لقد سألت بوضوح وزير الخارجية الليبي الدكتور محمد عبد العزيز والذي ترأس الوزاري العربي الطارئ خلال المؤتمر الصحفي مساء أمس الأول عن رؤيته لمدى قدرة الدول العربية المنهكة من الداخل على مساعدة المفاوض الفلسطيني فأجابني الرجل بأنه ليس بوسع أي طرف عربي وحتى ولو شغل بقضاياه وهمومه الداخلية أن يبتعد عن القضية المركزية – فلسطين ولكنها إجابة دبلوماسية لم تتوغل في الواقع الذي يبدو لنا ساطعا، خاصة أن معظم الشعارات التي رفعت في بلدان الربيع العربي تتجه نحو مناحٍ شديدة المحلية ولم يرصد المراقبون اهتماما واسعا من شباب الثورات بالقضية الفلسطينية وهو ما يؤشر إلى غياب ربما قد يطول وأقصد به الغياب العملي. إن فلسطين تنادينا ألا ننساها أو نجعل همومنا الداخلية تنأى بنا عنها فنتركها لقمة سائغة لكيان ما زالت عدوانيته متوهجة ومشروعه الاستيطاني الاستعماري متقدا ورغبته في الاستحواذ والهيمنة والسيطرة عليها قائمة وقوية. السطر الأخير: أحتمي بجدارك أرتوي من نهارك تسكنني حقولك أكتبك تميمة للروح أخطو باتجاه أسرارك فأخلد للعشق في ديارك