18 سبتمبر 2025

تسجيل

من المسؤول عن انهيار مجلس التعاون ؟

23 نوفمبر 2017

عوض أن تهدأ العاصفة الخليجية بالتراجع عن الخطأ، فقد شهد العالم أنها اتسعت بتداعياتها وامتدت إلى لبنان واليمن والسلطة الفلسطينية وتفاقمت الأزمة السعودية الداخلية بشكل غير متوقع، فانفصمت عرى الأسرة الحاكمة ذاتها وبدأ الأمراء العود (أبناء المغفور له الملك عبد العزيز) يتساءلون ماذا حدث للبيت السعودي؟ وتكلم الأمير طلال وبعض إخوته عن التصدع الذي أصاب سقف البيت وأركانه! وأدرك الناس من استقالة سعد الحريري والتقارب مع إسرائيل أن لبنان أصبح مستهدفا وأيضا قضية فلسطين، ومهما كان من فشل المملكة في تمرير الإدانة الأممية للجمهورية الإيرانية بمعارضة ورفض 14 دولة عربية، فنحن العرب جميعا أصبحنا ندعو للشقيقة الكبرى بالتراجع عما نعته وزير خارجية الألمانية بالمغامرة، والمغامرة في مستوى رأس السلطة خطر محدق بالسلطة نفسها قبل الجيران. ففي حين يعلن صاحب السمو الشيخ تميم أمام مجلس الشورى بأن قطر متمسكة بمجلس التعاون نرى المعاول السعودية والإماراتية والبحرينية تدمر المجلس وتدكه من الأسس.  بدأت تتضح معالم المشهد السياسي والإستراتيجي في إقليم الخليج، وبدأ الرأي العام العربي والدولي يفك ألغاز رقعة الشطرنج المعقدة التي رتبها ونظمها في غفلة من الشعوب بعض أصحاب القرار الخليجي، يوم الخامس من يونيو الماضي، حين أعلنوا حصارا شاملا على دولة شقيقة كانت هي أول من صدم وتفاجأ من هول الحدث. ولكن ثبت مع مرور الأيام وتعاقب حلقات الأزمة أن الأضرار لحقت الدول التي حاصرت قطر، وأن قطر هي التي سعت بصدق لرأب الصدع وتوخت وحدها ما سماه صاحب السمو الشيخ صباح، منهج الهدوء، فأي هدوء أبلغ من مواقف الدبلوماسية القطرية التي شهد العالم أنها لم تتشنج ولم ترد الفعل بغضب، ولم تترك أي باب من أبواب الصلح والسلام إلا وطرقته وسيكتب التاريخ الحديث لدولة قطر جنوحها للحوار وطي الصفحة وتجاوز الأزمة وتضميد الجراح لكن اليوم وبعد ما سمي بفشل الوساطتين الكويتية والأمريكية فلا مناص من استخلاص العبرة رغم أن دولة قطر حسب أخر تصريحات وزيرها للخارجية في أنقرة لا تعتقد بأن الوساطتين فشلتا بصورة حاسمة وكما جاء في بيان وزارة الخارجية القطرية تفاعلا مع دعوة الشيخ صباح -حفظه الله- فهي تدرك أن العراقيل كثيرة ومواقف الدول المعتدية متضاربة بالنزول من 13 مطلبا إلى 6 وتؤمن بأن إنقاذ مجلس التعاون كما قال الأمير صباح مهدد بالانهيار كصرح أخير للتعاون والتضامن العربي.  المشهد بدأ يتضح ويزول عنه ضباب التمويه والمغالطات حين نعرف أن محاولات مشبوهة تستمر لفبركة مؤتمرات (فكرية وإستراتيجية) يدعى للحديث فيها بعض الشخصيات السابقة في الإدارة الأمريكية (مثل ستيف بانون) أو من الاتحاد الأوروبي ممن ثبت أن لديهم شركات توقع لفائدتها عقود مجزية ويطلب منهم فقط إثارة الرأي العام المتواضع المستمع لهم بتوجيه تهم بلا أي دليل لدولة قطر والغريب أن عديدا من هذه المسرحيات فشلت حين اخترقها رجال ونساء ينددون بمحاورها ويفضحون مخرجيها وممثليها أمام وسائل الإعلام، وتقوم الشوشرة ويطرد النزهاء من القاعات حاملين لافتاتهم! تلك هي بعض اللوحات القادمة من بعض العواصم الغربية ومع الأسف يصفق لها الإعلام الإسرائيلي، ويعززها لأنها بكل بساطة تخدم غاياته وتصب في مصالحه ولم يخف ذلك رئيس الموساد السابق الذي هلل لما سماه تغيير السياسات السعودية لما ينفع الدولة العبرية، وتصريح وزير الطاقة الإسرائيلي حول التقارب مع المملكة.  ولعل الأزمات الداخلية للمملكة هي التي دفعت بالمزيد من تأزيم ملف الحصار للتنبيه إلى المخاطر ونفهم لماذا هبت أصوات سعودية من عقر ديارهم للتحذير من مخاطر الأخطاء ومنها صوت الإعلامية السعودية إيمان الحمود التي قالت من على منبر قناة (فرانس 24) يوم الإثنين الماضي بأن أي قلب لنظام الحكم في دولة خليجية بالقوة سوف ينجر عنه قلب لكل أنظمة الحكم في الخليج ومن هذه الأصوات أيضا صوت الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الذي قال لصحيفة الواشنطن بوست "إن السعودية وضعت العديد من السياسات الجديدة والمتطرفة، من معارضة كاملة للإسلاميين، إلى تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن بعضهم، إلى وضع قائمة سوداء للحكومة"، ومن المثير للسخرية أن يقوم مسؤول سعودي بعرقلة الإسلاميين في حين أن السعودية هي أم الإسلام السياسي، بل إنها تصف نفسها كدولة إسلامية في "قانونها الأعلى". وهنا يجب تسجيل الترفع المشرف الذي تتمسك به الدبلوماسية القطرية إزاء المهاترات والمغالطات بدعوة الجميع أن يتجنبوا كل ما يسيء للرموز الخليجية حفاظا على المستقبل وانتصارا للمصير لأن الأزمة ستزول طال الزمان أم قصر وستظل قطر أحرص الدول على بقاء مجلس التعاون حصنا حصينا للإقليم الخليجي والعالم العربي الإسلامي.