14 سبتمبر 2025

تسجيل

ديمقراطية المفهوم وديمقراطية الواقع والممارسة

23 نوفمبر 2014

لا شك أن التحديات الراهنة لقضية الديمقراطية، خاصة منذ أواخر القرن العشرين وبداية هذا القرن، ولا تزال، والتي جاءت مع الاهتمام الغربي لهذه المسألة تزداد رواجا في المجتمع العربي المدني، لكنها تظل هذه قضية تحتاج إلى حراك مجتمعي، وإلى تدرج محسوب لخطوات التطبيق، لأن حرق المراحل لا يقل إشكالية من الديكتاتورية، وذلك لأن الشعوب يلمزها التثقيف الكبير للقبول بنتائج الديمقراطية، وهذا حصل أكثر من بلد عربي، وحتى بعض المثقفين، رفضوا بعض نتائج الانتخابات الديمقراطية، واعتبرت النتائج بمثابة اختطاف للدولة والمؤسسات، ومن هنا فإن القبول بالديمقراطية ونتائجها، تحتاج إلى تدرج، وإلى وعي بالممارسة الديمقراطية، والغرب نفسه وهو الذي سبق العديد من الأمم والثقافات، في إرساء هذه الوسيلة وتفاعلاتها السياسية والفكرية، لم تأت دفعة واحدة، بل إن الديمقراطيات في الغرب مرت بمراحل، وخطوات، وتطبيقات تدرجية، حتى استطاعت المجتمعات أن تتقبل نتائجها بالصيغة التي نعرفها الآن. إن فرص تطبيق الدمقرطة في المشهد العربي تواجه صعوبات عدة، علماً بأن هذا الأمر ليس سمة مقتصرة على المنطقة العربية وحدها، فللديمقراطية صعوباتها وإخفاقاتها، كما نجاحاتها، في أماكن أخرى أيضاً.ويطرح د/ العربي صديقي في كتابه (إعادة التفكير في الديمقراطية، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت.. مسألة الانتخابات دون ديمقراطية)، بعض الأسئلة حول الديمقراطية العربية المتعثرة، فيقول: أي طريق يجب أن ننتهجه الديمقراطية في المنطقة العربية؟ وهل المفاهيم التي تنتمي إلى مجموعة مصطلحات الديمقراطية الغربية تنطبق كما هي على بلدان الوطن العربي؟مركِّزاً على "الحوار" بين صامويل هانتجتون ولونرس وايتهد، ويتناول النقاش، باختصار، الجهود البحثية الصاعدة من داخل المنطقة العربية، والساعية إلى فهم وتكييف "باراديم الديمقراطية" وتكييفه، مستنداً بشكل نقدي، إلى كتابات أساسية يتجاهلها تماماً دارسو الدمقرطة العربية. ففي غياب مقابل محلي أصيل للدراسات الأورو – أمريكية في مسألة الانتقال إلى الديمقراطية، سيبقى من الصعب في المنطقة العربية مشاهدة إصلاحات منظار غربي حصراً.إن ما يميز "علم النقال العربي" الناشئ، حتى الآن، هو عودته باستمرار إلى الأطر والمفاهيم النظرية الغربية، التي لا تنجح دائماً في تفسير الخصوصيات العربي، فالتقليد الأكاديمي الغربي بخصوص الدمقرطة في الوطن العربي لا يزال يتجاهل التصورات المحلية للمسألة. كما أن التصورات المحلية، في الجهة المقابلة، لا تخرج عن إطار الممارسة المعرفية للمركزية الأوروبية – نظرية التبعية أو الدمقرطة، إلا أن مدخلاً كهذا يفتقر بوضوح إلى الروح النقدية.وتحت عنوان النزاع حول الدمقرطة، يؤكد المؤلف أن الدول والمجتمعات العربية عالقة في دوامة التحديات التي جلبتها المسيرة العالمية للديمقراطية إلى المنطقة العربية، فقد كان لانتشار الديمقراطية وحقوق الإنسان على مستوى العالم، بوصفهما المعيار الجديد لشرعية السياسات المحلية، وقع واضح في المجتمعات والسياسات العربية كافة. وفي الوقت نفسه، أجبرت أزمات الأداء الاقتصادي المتعثر، والنقص في الشرعية الداخلية، الكثير من النخب العربية الحاكمة على الإقدام على إصلاحات سياسية لم يكن التفكير فيها ممكناً من قبل.ويجادل مؤلف الكتاب بأن البحث عن ديمقراطيات من "الموجة الثالثة" في الوطن العربي هو تمرين عقيم، وبدون نتيجة، ومع ذلك، يولي كثير من الباحثين أهمية واضحة لمقدمات ديمقراطية "الموجة الثالثة". ويبدو الباحثان هانتجتون ووايتهد كلاهما مدفوعين بالجاذبية المعيارية للديمقراطي كروح، وكنظام حكم، فالأول يطرح في كتابه الموجة الثالثة قضية التعزيز الديمقراطي، وهو يفعل ذلك بقدر عال من الثقة والتحديد. و"الإنهاء" هو النقطة النهائية في التقاطه المفهومي لعملية كيف تتدمقرط البلدان. في المقابل، يبدو وايتهد أكثر حذراً، ففي كتابه الدمقرطة: النظرية والممارسة، يُخضع مفهوم هانتجتون للمساءلة، وهو يرى أن الديمقراطية، وفي سباق مسيرتها العالمية، تدخل في الكثير من السياقات والاختبارات. وفي الحقيقة، تفصل ما بين ما تقترحه النظرية وما يقدمه الواقع فجوة واسعة. وبدلاً من مفهوم هانتغتون في "الإغلاق"، يقترح وايتهد فكرة الانتقال الديمقراطي المفتوح. وهنا يشار إلى أن دمقرطة هانتغتون هي على الأرجح دمقرطة مغالية في أصوليتها، بحيث يصعب انطباقها على حالات الوطن العربي الراهنة، إذ يجب الاعتراف بأن الوطن العربي لا يملك في المكان والزمان رصيداً من اللبرلة تمكن مقارنته بنجاحات بلدان جنوب أوروبا وشرقها.إن انتقالية هانتغتون قصيرة جداً من حيث الزمن، بينما وايتهد لا يثق كثيراً بالفترات الزمنية القصيرة هذه. قد لا يكون القالب البنيوي والمسار الفوق – التحتي لنظرية هانتجتون في "الموجة الثالثة" هو الأداة الموثوقة لقياس الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي، كما أن تجارب اللبرلة العربية لا تقدم ما يكفي من أدلة لإثبات صحة هذه النظرية. إن قياس الديمقراطية بواسطة الاختبار الانتخابي وحدة قياس مشكوك في صدقيته، في حين يبدي هانتجتون ميلاً بنيوياً واضحاً إلى إعلاء شأن الاختبار الانتخابي وأولويته، معتبراً أن إجراء الانتخابات هو "جوهر الديمقراطية". بيد أن ثلاثين سنة من الانتخابات في مصر تؤيد أكثر مما تدحض ملاحظات أودونيل النقدية حيال التعزيز غير الجدي، وخاصة حين تتعايش الأنشطة الانتخابية مع الاستبداد في ما يزعم أنه ديمقراطية جديدة. لم تنجح الانتخابات في الوطن العربي في زحزحة التفرد والاستئثار بالسلطة الفعلية، و"الانتخابات دون ديمقراطية" هي ما يميز الإصلاحات السياسية العربية.