13 سبتمبر 2025

تسجيل

الاضطراب الديمقراطي في مصر

23 نوفمبر 2013

الديمقراطية أحد الأنظمة السياسية حادة المزاج رغم ما يكتنفها من مرونة وحرية في التعبير واتخاذ القناعات والقرارات وتحديد الخيارات، وذلك المزاج الحاد يتعلق بالحساسية المفرطة في مس القيم السياسية أو العبث بها والتهاون في التعاطي معها، أي تكثيف الشفافية والنزاهة في الممارسة السياسية، ولا يمكن لمسؤول في الدولة أن يتعدّى على الحريات أو يمنع أحدا من التعبير عن نفسه حتى ولو تعرّت عضوات "فيمن" أمام المؤسسات أو الشوارع، وذلك ما يجعلها بكاملها محل تحفظ في المنظور السياسي الإسلامي خاصة وأن مجتمعاتنا قائمة على أعراف وتقاليد ربما لم تكن ديمقراطية ولكنها حادة المزاج في المساس بتلك القيم. من يريد الديمقراطية على النسق الغربي عليه أن يكتوي بنيرانها ويتحمّل تبعاتها وتداعياتها، كأن يتحمّل تعرّي علياء المهدي أو أمينة السيوعي أو سخرية ومسخرة باسم يوسف وهو النموذج الذي نركز عليه في هذا الإطار، فالرجل محسوب على التيار الليبرالي في مصر وله برنامج شهير يتم بثه على قناة "سي بي سي" الفضائية المصرية الخاصة، وكان على أيام الرئيس محمد مرسي يمارس سخرية متعمدة وجارحة تنال من هيبة الذات الرئاسية، ومع ذلك لم يتم إيقاف البرنامج أو تحويل الرجل للتحقيق أو تسجيله زيارة لمكاتب أمن الدولة. استمر البرنامج بعد رحيل مرسي، ويبدو أنه صدّق أن أجواء الديمقراطية في مصر عقب الإطاحة بمرسي تمنحه حرية مضاعفة لممارسة السخرية على كل شيء، ولكن خاب ظن الرجل حين وجه انتقادات لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي والجيش، فبادرت القناة إلى إيقاف البرنامج بسبب إصرار منتج البرنامج ومقدمه على الاستمرار في عدم الالتزام بسياستها التحريرية وفي الحقيقة أثارت تلك الحلقة انتقادات كثير من المصريين إذ سخر فيها باسم يوسف من السلطات الجديدة بدءا من الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي يبدو أن أحدا لا يتذكر اسمه في حين يمجد كثيرون الفريق أول السيسي إلى درجة الهوس به، بل وقدم معارضون ليوسف بلاغات عدة للنائب العام تتهمه بالإساءة للجيش وقادته والتهكم على مؤسسات الدولة. وبهذا الوضع فإننا أمام مفارقة مذهلة تعكس اضطرابا ذهنيا ونفسيا في التعاطي مع الحرية والديمقراطية، وتؤكد أننا نفصّل حرياتنا وطرقنا السياسية حسب المزاج وأننا بعيدون عن الشفافية واحتمال فكرة الرأي والرأي الآخر، لأننا في الواقع مترهلون فكريا ولا نجيد حتى التقليد.