31 أكتوبر 2025
تسجيليدور حديث واسع هذه الأيام في أوساط جماهير الشعب المصري الغاضبة من بطء عملية التغيير، وتكرار الأزمات والحوادث الإرهابية التي يروح ضحيتها الأبرياء من أبناء الشعب المصري، حول ضرورة الحزم والحسم مع تنظيمات الفساد، التي لا تزال ترعى داخل وخارج مؤسسات الدولة، وتستغل حرص الرئيس على تجنب الطرق الاستثنائية في التعامل مع التحديات، إعلاًء لدولة القانون، التي يحرص على تأسيسها منذ أول يوم له في الرئاسة، حتى لا تتكرر الفوضى الهدامة التي أحدثها النظام البائد، الذي أهدر كل القيم والأخلاقيات العليا في المجتمع، وتعمل (هذه القوى الهدامة) على تقويض أركان المجتمع، وتعويق خطط الرئيس والحكومة الخاصة بالتنمية، بشكل بات يزيد من حدة الاحتقان الجماهيري على الحكومة ومؤسسة الرئاسة، ويدفعها للمطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات رادعة، والتعامل بحسم شديد مع كل من يعبث بمقدرات هذا الوطن. وبالنظر إلى خبرة العقود الماضية، سنلحظ أن الملوك والرؤساء السابقين الذين حكموا مصر خلال القرنين الماضيين، لم يتمكنوا من تحقيق الاستقرار سوى بعد القيام بعمليات استثنائية تبث الرعب في نفوس أعداء النظام الجديد، بشكل يجعل الجميع يفكر ألف مرة قبل أن يرتكب خطًأ واحدًا، خوفا من بطش الرئيس. فمحمد علي - على سبيل المثال - لم يتمكن من توطيد أركان حكمه سوى بعد أن ارتكب مذبحة القلعة، وقضى على نفوذ المماليك بالكامل في مصر. والرئيس جمال عبدالناصر كرر الأمر نفسه مع "جماعة الإخوان المسلمين"، وكذلك الرئيس "السادات" مع الشيوعيين، والرئيس المخلوع "حسني مبارك" مع تنظيم الجهاد تارة، وبقية التنظيمات الإسلامية الأخرى وعلى رأسها " الإخوان المسلمون " تارة أخرى. والملاحظ أنه في كل النماذج السابقة، لم يحكم الشعب ولا التاريخ على الرئيس بالديكتاتورية والاستبداد، نتيجة لما قام به من عمل استثنائي، وإنما كان الحكم في الغالب على النتائج المترتبة على هذه الأفعال، فمحمد علي وصف ولا زال يوصف بأنه "باني مصر الحديثة"، والرئيس جمال عبد الناصر وصف بأنه الزعيم القومي الملهم، الذي نجح في نشر الوعي القومي في نفوس الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وكذلك الرئيس السادات صاحب النصر العظيم، وقد كان الاستثناء الوحيد في تلك النماذج هو الرئيس المخلوع مبارك، لأن بطشه واستبداده لم يصاحبه أي إنجاز، لا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي. إن تغيير ثقافة العنف التي ربى عليها النظام الساقط والأنظمة السابقة، الشعب المصري، تحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة، فالتغيير المفاجئ لن يفهمه الشعب سوى على أنه ضعف، وهذا سبب ما نعانيه من أعمال بلطجة وعنف وسرقة لمقدرات الوطن، فالتغيير يحتاج إلى التدرج حتى يعلم الجميع حقوقه وواجباته، ويصبح احترام وتطبيق القانون مسؤولية الجميع وليس الشرطة أو الحكومة فحسب. فعندما يعلم الشعب حقوقه وواجباته سيقوم بنفسه بحماية هذه الحقوق، وتقديم كل من يتسبب في إهدار أي حق منها للقانون، خوفا من ضياع تلك المكتسبات التي لم يحصل عليها إلا بعد جهد شاق وتضحيات غالية بالنفس والمال. لذلك فإن على مؤسستي الرئاسة والحكومة تغيير النهج المتبع خلال الفترة الماضية، وإظهار الكثير من الحسم في معالجات التحديات والعراقيل التي تحول بينهم وبين إحداث تحول حقيقي في المجتمع، وتحقيق الحد الداني من مشروع النهضة الذي وعد به الرئيس الشعب، وذلك حسب طلب فئات عريضة من الشعب المصري، والتي لا يشغلها سوى عوائد عملية التحول الاقتصادية. لقد صفق الشعب المصري للدكتور "محمد مرسي" كثيرا عندما أصدر قراره التاريخي بإقالة قادة القوات المسلحة، ذلك القرار الذي ظن الغالبية أنه سيحدث ثورة ضد الرئيس، ولكن كانت النتيجة عكسية تماما، إذ أدى هذا القرار لارتفاع مؤشرات الدعم والتأييد للدكتور مرسي إلى أعلى مستوياتها، وهو ما لم يحدث بعد ذلك، إذ أخذت هذه المؤشرات في التراجع، بسبب ما يعتقد الشعب أنه ضعف في مواجهة التحديات التي تواجه الوطن، خاصة من قبل أعدائه في الداخل، ممن يبذلون جهودا مضنية للقضاء على تجربة التيار الإسلامي في الحكم. إن الحمل ثقيل والفترة الرئاسية قصيرة، وتحتاج إلى حلول وقرارات استثنائية حتى نتمكن من إقالة البلاد من عثراتها المتعددة التي وضعها فيها النظام البائد، وتشعلها القوى الفلولية من وقت لآخر كلما سنحت لها الفرصة، حتى يكفر الشعب برئيسه، ويتمنى لو عاد النظام البائد من جديد. وما دمنا قد قبلنا تحمل المسؤولية بكل ما لها وما عليها، وما دمنا سنتحمل النتائج في نهاية المطاف .. إذا لا مجال للتردد، ولا مجال للتعامل برقة ولطف مع قوى لا تعرف سوى لغة العنف والحسم.