17 سبتمبر 2025
تسجيلصح لسان من قال إن الحصار نوع من الإرهاب بل نوع من الغدر، ولا ننسى بأن دولة قطر سبق أن تعرضت لجرائم إرهابية لم تنج منها أكثر الدول أمانا لعل أخطرها كان يوم 13 فبراير 2004 حين اغتيل أمام جامع الدفنة رئيس الشيشان السابق سليم خان يندرباييف وهو الذي أوته دولة قطر آنذاك حين لجأ إلى حماها بعيدا عن كل ممارسة سياسية، ولعلم الناس جميعا فإن مبدأ اللجوء السياسي كان حصريا مطبقا في الدول الأوروبية دون سواها تضمنه دساتيرها ولم تنخرط في تلك المبادئ أي دولة عربية مسلمة بينما ينص كتاب الله جل وعلا على إجارة المستجير بك حتى لو كان من أعدائك المشركين في قوله تعالى في سورة التوبة: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُون). صدق الله العظيم. وبالطبع تصدت دولة قطر لكل أشكال الإرهاب ومنها إرهاب الحصار لكنها لم تتخل عن واجب توفير الملجأ الأمين للمضطهدين وهو ما كانت تقوم به المملكة السعودية ذاتها حين أوت أقطاب الإخوان المسلمين الهاربين من استبداد الأنظمة العربية فقد عاش وتوفي في المملكة على سبيل المثال المفكر الفاضل محمد قطب شقيق الشهيد سيد قطب، كما عاش وتوفي في المملكة الشيخ محمود الصواف زعيم الإخوان المسلمين العراقيين وقدر لي الله شخصيا أن تعرفت عليهما. تلك كانت أخلاق الخليجيين قبل أن يحل هذا الزمن الغريب بأفكاره الدخيلة التي تملى على بعض الخليجيين من خارجه بل من أعدائه. فمقاومة الإرهاب لدى السلطات القطرية أولوية مطلقة وهي التي وفرت الأمان لدولة قطر على مدى عقود وجعلت المجتمع الدولي يثق في توجهات قطر الصادقة نحو اجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه وملاحقة مرتكبيه، بل إن دولة قطر هي التي بادرت منذ أواسط التسعينيات بتنظيم المؤتمرات العالمية لتحالف الحضارات وحوار الأديان وهي الندوات الفكرية والسياسية التي أرست معالم السلام العالمي والتسامح العقائدي وتجاوز مراحل الصراع المتشنج بين الأمم وسيكتب التاريخ الحديث لدولة قطر هذه الريادة في تدشين عصر جديد من الوفاق الحضاري بين الشعوب وهو ما أنجزته الدوحة بفضل آليات عديدة مبتكرة منها مؤتمرات دولية للسلام والديمقراطية والتنمية ومنها فتح قناة الجزيرة على كل الآراء الحرة التي كانت مكبوتة ومقهورة ومنها سن دبلوماسية مبادئ عملت على إصلاح ذات البين بين الفرقاء المتناحرين في السودان ولبنان وفلسطين ثم في العراق وليبيا وسوريا بنفس المنطلقات الأخلاقية ونفس الحياد الإيجابي من أجل تجنيب العالم العربي الإسلامي مخاطر الفرقة والتشتت والحروب الإقليمية، كما كانت قطر السباقة لإعمار قطاع غزة وإعمار جنوب لبنان ويذكر الناس تلك الزيارة المحفوفة بالمخاطر التي أداها صاحب السمو الشيخ حمد حفظه الله إلى قطاع غزة لكسر الحصار الجائر المفروض على الغزاويين في أعلى مستوى دولة قطر وتلك الزيارة التاريخية التي أداها كذلك إلى جنوب لبنان معلنا انتصار اللبنانيين في معركة دحر الاحتلال الإسرائيلي وإجلاء المحتلين عن أراضيه وإعادة بناء ما هدمه الاحتلال! فهل كانت هذه النجاحات الساطعة سببا في العداء الذي تحملته دولة قطر من قبل قوى محتلة وعقول مختلة؟ ويسجل الرأي العام العالمي اليوم بعد 140 يوما من الحصار الجائر ذلك الموقف القطري المشرف الذي أعلنه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم من أعلى منبر الأمم المتحدة حين تحدث عن أشقائه الخليجيين باحترام تاركا باب الحوار المطلوب دوليا مفتوحا دون مس من سيادة أي دولة، واليوم حين تتحرك الدبلوماسية الأمريكية ومن ورائها الأوروبية بزيارة مكوكية لوزير الخارجية تليرسن نحو دعوة الجميع إلى الجلوس على طاولة الحوار فإنما يؤكد هذا التحرك حاجة الدول القوية الفاعلة إلى عودة السلام الشامل إلى منطقة الخليج ووضع حد لحالة غير مسبوقة من حصار دولة كاملة السيادة لم ترتكب أي مخالفة تسيء لجيرانها أو تهدد الأمن الدولي وهي الدولة التي وصفها تليرسن نفسه بأنها الشريك الناجع في الحرب على الإرهاب! بل كانت مواقف قطر إلى حدود القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض في 22 مايو الماضي مواقف صادقة وثابتة أوفت فيها دولة قطر ما عاهدت عليه أشقاءها وحلفاءها. وقد لاحظ الرأي العام العالمي على مدى 140 يوما خلو جعبة وزراء خارجية الدول الأربع المحاصرة من أي دليل أو برهان على ما يدعون وتورطهم في الإدانة من دون حجة. فهل يستخلص هؤلاء العبر من أخطائهم؟ يسجل المراقبون الأمناء للوضع الراهن بأن الدبلوماسية القطرية مستمرة على نهج السلام والوفاق ومراعاة أعراف الأخوة والأسرة الخليجية الواحدة المتماسكة مع احترام كامل لبنود القانون الدولي وتشبث بمبدأ السيادة واستقلال القرار في كل حل مطروح لتجاوز المظلمة حفاظا منها على السلام في المنطقة وفي العالم. ولا تحتاج دولة قطر إلى تأكيد هذه القيم من جديد فقد تكفل بذلك عديد الناشطين في المواقع ووسائل الاتصال الاجتماعية أو الدعاة في المنابر أو المثقفين في الندوات والمجالس من نفس دول الحصار ليؤكدوا وقوفهم إلى جانب الحق حسب ضمائرهم حتى لو نالهم عسف السجون وقمع الملاحقات.