13 سبتمبر 2025

تسجيل

سحر الألوان

23 أكتوبر 2015

ألوان الطيف في قوس قزح الذي يتخلل أشعة الشمس الخجلى في الأيام الماطرة، وحمرة الشفق وهي تستقبل خيوط المساء الأولى، زرقة مياه البحار بينما ضوء النهار ينساب فيها، خضرة أوراق الأشجار وهي تنتظر قطرات الندى، أجنحة الفراشات المرفرفة فوق أكمام الزهور، ألوان طالما أسرت البشر بسحرها وخلقت من حولنا روعة هذا العالم.الألوان التي يضج بها كوكبنا في مهرجان تحتفل به الطبيعة، لم تكن مجرد ظاهرة طبيعية سحرت بجمالها البشر في كل الأزمنة، ولم تمر أمام ناظريهم مروراً عابراً كمرور الكرام، فالألوان كانت وماتزال تحمل معاني رمزية عميقة في ثقافات وأديان كل الشعوب التي سكنت المعمورة. فمن إنسان الكهف الذي بهرته الألوان ورسم على جدران الكهوف ثيراناً وغزلاناً وخيولاً مستخدماً ألوان أكسيد الرصاص الأصفر والأحمر والفحم وحتى إنسان العصر الحديث الذي لعب بعدد لا نهائي من الألوان، لتستمر مسيرة الألوان الرائعة.وتتنوع معاني ودلالات الألوان لدى الشعوب والمجتمعات المختلفة، فهي تعكس ثقافة ومعتقدات هذه المجتمعات كما أنها تعبر عن سلوكيات وأنماط الحياة المتبعة فيها.ويرمز اللون الأحمر في الحضارات القديمة إلى النار والحرب والعصيان، وقد رسم المصريون القدماء الإله العاصي لديهم (سيث) باللون الأحمر، أما الأساطير الإغريقية والرومانية فقد صورت الإله (ديونيسوس) باللون الأحمر، وكذلك (مارس) إله الحرب عندهم، وفي المسيحية يصور الفنانون الملاك الذي يبشر السيدة العذراء بميلاد السيد المسيح باللون الأحمر ويرمز أيضا إلى دماء السيد المسيح، كما ان الأحمر لون عباءة القديسين ولون الاستشهاد في سبيل الدين.‏اما اللون الأصفر فكان لون الزهاد الهندوس والبوذيون في الهند، وعند الإغريق كان يمثل لون النار، وفي المسيحية لون الحياة والحق،‏ واستعمله كذلك سلاطين المماليك في مصر في زيهم وزينتهم. والأزرق الذي هو لون السماء والبحر فقد كان يرمز لدى الأغريق إلى الحكمة فهو لون أثينا آلهة الحكمة ولون رداء جوبيتر إله السماء لديهم، وفي المسيحية صوروا رداء السيدة العذراء باللون الأزرق الذي يرمز للروحانية والزهد، أما عند الفرس فكان اللون الأزرق الداكن يرمز إلى الحزن.‏ويبقى الأخضر في كل مكان وزمان رمزاً لاستمرار الحياة وديمومتها، فهو رمز الخصوبة والزرع والنماء لدى البابليين والمصريين القدماء الذين وجدوا في خضرة أوراق البردي إشارة للحياة الأبدية، واعتبر اليونانيون القدماء اللون الأخضر لون الآلهة افروديت آلهة الجمال، أما عند المسلمين فهو لون الجنة كما قال الله تعالى في كتابه الكريم "ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق"‏.أما الأسود فكان على الدوام رمزاً للحزن والموت حتى ارتداه الناس كلباس للحداد في الكثير من دول العالم، وللأسود رمزية خاصة عند العرب فتجدهم يقولون سواد القوم ويعنى به العزة والكثرة وقالوا الاسودان وهما الماء والتمر وهما أكثر ما يعتمد عليهما العرب في الصحراء كغذاء.وعلى نقيضه اعتبر اللون الأبيض رمزاً للنقاء والطهارة والعفة والضياء والنور، وقد ورد عن العرب قول الابيضان بمعنى الماء والقمح وكذلك الخيط الابيض وهو اول ضوء النهار، ويطلق العرب على النساء تسمية البيض، وقد ذكرت الكثير من الالوان في الشعر العربي فهذا أبو تمام يقول متوعداً الروم:السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِبيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِوهذا صفي الدين الحلي يقول:بِيضٌ صَنائِعُنا، سودٌ وقائِعُنا خِضرٌ مَرابعُنا، حُمرٌ مَواضِينافالعالم مليء بالألوان ويصنع ضجيجه وتفرده وسحره بتميز وخصوصية كل لون، وكما يقول الشاعر الإنجليزي بيرسي شيلي (الحياة تشبه قبة زجاجية متعددة الألوان، تصبغ ألوانها نور الأبدية الأبيض).