11 سبتمبر 2025

تسجيل

المراقبة الذاتية

23 أكتوبر 2014

إن الحق سبحانه وتعالى إذا أراد بإنسان هلاكا نزع منه الحياء فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا عاصيا فلا يخش الله ولا يخاف ذنوبه ونزعت منه ربقة الإسلام ،ومن قلة الحياء التجرؤ على انتهاك الحرمات وضعف الغيرة في قلوب بعض الرجال والحياء في أسمى منازله وأكرمها يكون من الله عز وجل فنحن نطعم من خيره ونتنفس في جوه وندرج على أرضه ونستظل بسمائه ،فالمسلم الحق هو الذي علم أن له ربا خلقه لغاية وهي العبادة وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ،لذا فهو يسعى بكل طاقاته نحو رضا الله تعالى ليكون في الدنيا سعيدا وفي الأخرة مطمئنا في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثوراً ،قيل: يا رسول الله صفهم لنا حتى لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) رواه ابن ماجه. قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان يحضره الناس وعلى مشهد منهم وعلم أن الناس يرونه فهو يعمل لهم ألف حساب ويخشاهم ولكنه إذا خلا بنفسه وغاب عن أعين الناس أطلق لنفسه العنان فاقترف السيئات وارتكب المنكرات ونسى قول الله تعالى : (وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) الإسراء:17، لذلك يجب على المسلم الحق أن يتعهد نفسه بالقيم ويبني كيانه الجسمي والعقلي بالآداب والأخلاق فإنه ليس مكونا من جسم و عقل فحسب وإنما ليدرك أن له قلبا يخفق وروحا تهفو ونفسا تحس وأشواقا عليا تدفعه إلى السمو والاستغراق في عالم العبادة ،والتطلع إلى ما عند الله من نعيم والخشية مما لديه من أنكال وجحيم ,ومن هنا كان لزاما عليه أن يعتني بروحه فيقبل على صقلها بالعبادة والمراقبة لله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار بحيث يبقى يقظا متنبها متقيا أحابيل الشيطان الماكرة ووسوسته المردية ،فإذا مسه طائف من الشيطان في لحظة من لحظات الضعف البشري وهزته الذكرى، فارتد بصيرا متيقظا تائبا مستغفرا، وبهذه الطريقة سوف يكسب الإنسان الأمن الداخلي والاستقرار النفسي والعفو من الرحمن الرحيم، فليغسل العبد قلبه بالعفو ويملئه بالغفران وعظيم آيات الرحمن وذكر الواحد الديان ،فصلاح القلب بالطاعة أما فساده بالضغائن فداء شديد وما أسرع أن يخرج الإيمان من القلب المغشوش, فتجده خاويا فارغا صاحب نظرة سوداء الكل في عينه مخطئ ليس عنده رضا ولا تتحلى نفسه بالسكينة ،فهو في قلق دائم لم يرضى ولا يحس بالرضا فهذا هو خواء القلب. فإن حق الله على عباده عظيم فلو قدروا الله حق قدره لسارعوا على الخيرات يفعلونها من تلقاء أنفسهم ولبعدوا عن السيئات خجلا من مقابلة العليم الخبير ومن أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه وتعلم قدر غضبه ثم تعرض له وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته، فالإسلام روح عذبة وأخلاق جميلة وقيم فاضلة تحملها قلوب طاهرة ونفوس راضية ,فالنفس البشرية يأسر لبها ويستولي على مجامعها أخلاق الرجال وصفاتهم الحميدة فكن من الأحياء الذين يحييون حياة طيبة بطاعة الله وطهارة القلب وذكر الخالق عز وجل ولاتكن مع الأموات الذين يحسون بالضيق والملل وكأن على قلوبهم الران ولنطلب القلوب في أوقات الخلوات حيث لا يراك أحد إلا الله سبحانه وحيث المراقبة وهي مرتبة الإحسان فاعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك, فحياء المرء من ربه أمارة صادقة على طبيعة الإنسان فهو يكشف عن قيمة إيمانه ومقدار أدبه ،لذا فعليه تنزيه لسانه من أن يخوض في باطل وبصره من أن يرمق عورة أو ينظر إلى شهوة وأن يحفظ أذنه من أن تسترق سرا أو تستكشف خبثا وعليه أن يفطم بطنه عن الحرام ثم عليه أن يصرف أوقاته في مرضاة الله ،فمن عظيم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه لقد ذكر الله في مكان لا يراه أحد، فإذا خلوت مع نفسك وزينت لك نفسك الفرصة لاقتراف الذنب فتذكر مراقبة الله وأنه يراك سبحانه,فإنه يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظلمة الليل البهيم، فتقوى الله في الغيب وخشيته في السر دليل كمال الإيمان وسبب حصول الغفران ودخول الجنان.